Tuesday, October 25, 2016

صمت بوب ديلان.. الرد البليغ على نوبل

تعقيبا على مقال سيد محمود

نوبل بوب ديلان دفعة لإنعاش وسيط يعاني تجاريا

وصمت صاحب الجائزة أبلغ رد على نوبل

إبراهيم فرغلي




أعجبني مقال الصديق سيد محمود، رئيس تحرير القاهرة، العدد الماضي عن جائزة نوبل تحت عنوان "بوب ديلان ونوبل ..حبّة فوق وحبّة تحت"، لأنه حاول أن يجد في اختيار الجائزة سياقا مختلفا وواسعا وجديدا، ينحاز لمفاهيم ما بعد الحداثة، ويكسر سلطة النقد التقليدية، ويصدم "أولئك الذين ينظرون للأدب نظرة نخبوية ضيقة"، كما أنه، في تبريره لاختيار الجائزة المدهش، يشير إلى أن أنصار التحيز لهذا الاختيار يرون فيه تفكيرا إيجابيا خارج الصندوق.
وبالرغم من أن المقال بدأ بعرض الموقفين، المعارض والمؤيد، تجاه الجائزة إلا أنه مال في ثلثيه الأخيرين للانحياز لاختيار اللجنة لبوب ديلان. مؤيّدا رأيه بأن الجائزة في اختيارها الجديد: "تستعيد قدرتها على مقاومة الأعراف التقليدية والتعاطي بنوع من التقدير للثقافة الجماهيرية التي تعامت عنها النخبة طويلا، سيما تلك المعبرة عن ميول سياسية محبطة، وحس فردى هش، إنها مواجهة مع طبقية فحولية مترسخة وبحسبما أشار الناقد السعودي عبد الله الغذامي فى كتابه «النقد الثقافي» فإن هذه الطبقية ظلت متمسكة برفض الطارئ والجديد، بما أنه مخالف للقياس الذوقي المؤسساتي، وهو رفض يتحول بالتالي إلى رفض للآخر وحرمانه من حقه فى التعبير عن ذاته، وفى ممارسة ذائقته الخاصة، وهذا يتكامل مع سابقه فى تكوين طبقية فوقية تشكل سورًا من الحراسة يحمى قلعة الثقافة من الغزاة. ولا شك أن رفض ديلان في عالمنا العربي يعبر بوضوح عن هذه الفحولية التى تقاوم ديمقراطية الثقافة بعدما تأكد حضور الديكتاتورية السياسية، فالسمة ما بعد حداثية في الفنون تجلت منذ أكثر من ثلاثين عاما في إلغاء الحد الفاصل بين النخبوي والشعبي، ومحو للحدود بين الفن والحياة اليومية، وإزالة التسلسل الهرمى بين الراقي والجماهيري في الثقافة الدارجة، وتفضيل الأسلوب الانتقائي المشوش، وتمازج الثغرات والمحاكاة الساخرة، والمعارضة والتهكم والسخرية والهزل والمزاح والنظر للثقافة بوصفها احتفالا".
وحتى لا أكرر ما جاء بالمقال أحيل القراء للمقال في العدد الماضي. لكني أعتقد ان الانحياز لمبررات اللجنة من المنطلقات الما بعد حداثية التي أشار إليها سيد محمود، واستشهد فيها بمقولات الغذامي تنقصها بالضرورة اعتبارات أخرى عديدة، من بينها النظر إلى السياق الرأسمالي المصاحب لصعود موجة ما من الثقافة الشعبية، بشكل عام، والصعود هنا بمعنى دعمها كما يحدث في إنتاج السينما التي أبرزت البطل الشعبي، بمواصفاته الجديدة، المنتزعة من الأحياء الشعبية الجديدة المسماة بالعشوائيات، بوصفه بطل الحي العشوائي بكل القيم السلبية التي يتسلح بها، وأبرزها امتلاك القوة غير الشرعية وعشوائية القيم التي يؤمن بها واضطراب حياته قيميا، ودمجها مع أغنيات "المهرجان" الشعبية التي أصبحت صرعة جديدة بعد صرعات مثيلة سادت واختفت بعد أن حققت لمنتجيها الأرباح الطائلة، أو عبر إنتاج ألوان محددة من الموسيقى الشعبية ودعمها بالإنتاج والدعاية، كما حدث في الدعم الإعلامي لعدد من الظواهر الشعبية في الإعلام المصري مثلا على مدى العقدين الماضيين، وانتقال هذا الدعم للسينما من خلال قيام المطربين الشعبيين بالغناء أو حتى التمثيل في الأفلام السينمائية. فهذه الظواهر لا يمكن تأملها من دون وضع اعتبار طبيعة رأس المال الذي يدفع بها، من أجل نوع من البحث عن الأرباح التي لا تحققها اليوم السينما الرفيعة، على حساب القيم المتعارف عليها في الطرب أو في السينما أو كلاهما معا.
وشخصيا لا أستطيع تأمل ظاهرة نوبل هذا العام من دون الأخذ في الاعتبار التغيرات المرعبة التي يمر بها فن الموسيقى في العالم، وكلامي هنا ينبني على بعض أفكار إريك هوبزباوم، المؤرخ البريطاني (1917- 2012)، فالموسيقى، مقارنة بألوان اخرى من الفنون والثقافة مثل الفن التشكيلي والعمارة والأدب المطبوع، تأثرت بشدة بسبب التغيرات التكنولوجية سواء على مستوى نوع الموسيقى نفسها، أو على مستوى الوسيط، أي التحولات التي مرت بها سبل الحفاظ على أو إعادة تسجيل الموسيقى من الفونوغراف إلى النسخ الإلكترونية التي تمثل اليوم لونا من الرعب لسوق إنتاج الموسيقى في العالم بسبب تأثر مبيعات الألبومات الموسيقية تجاريا بشكل غير مسبوق، بسبب عدم قدرة المنتجين الموسيقيين على احتكار حق الأداء، بسبب انتشار التسجيلات على اليوتيوب ونسخ "الأوديو" غير الرسمية.
 وكونها، في الوقت نفسه، مقارنة بوسائط حفظ الأدب المكتوب والعمارة والفن التشكيلي التقليدي، ستحتاج لوسائط جديدة غير السائدة الآن مستقبلا بسبب التغيرات التحديثية المستمرة التي تطال برامج حفظ الموسيقى الإلكترونية والافتراضية. وهو ما ينسحب بالمناسبة على ألوان الفن التشكيلي الما بعد حداثي التي تواجه نفس المأزق خصوصا الفيديو كليب والوسائط الفنية الشبيهة، فهي تنتج على وسائط ليس لها نفس قدرة صمود العمارة أو حتى الوسيط الكتابي الورقي.
الأمر الثاني أن اختيار لجنة نوبل لنوع من الفن لا يمكن الاستماع إليه إلا بلغته لأنه يفقد جزء كبيرا من قيمته إذا استخدمت لأدائه لغة أخرى، لأنه "أغنية شعرية" مرتبطة بأداء موسيقي، لا يمكن الاستماع إليها بنفس النص إذا ترجمت للغة أخرى، ما يعني أنها ستظل مسجونة في زنزانة لغتها، وربما لن تُحدث تأثيرا وجدانيا إلا للعارفين باللغة الإنجليزية. وصحيح أن الموسيقى لغة عالمية كما يقال، لكن بما إننا هنا بصدد "شعر غنائي"، فربما يكون هذا المنجز الغنائي غير قادر على الصمود أمام اختبار الزمن، ولا يمكن مقارنته بقدرة صمود نصوص شكسبير مثلا التي تتناسل وتصل لقارئها أو تشاهد على المسارح منذ أربعة قرون.
وما أنقذ نصوص شكسبير ونصوص التراث السردي عموما في اختبار الزمن تمثل في عمليتي الطباعة في كتاب ورقي قادر على إنقاذها باستمرار، والترجمة، الآن وفي المستقبل.
بالتالي فإن المنجز الذي منحت له جائزة نوبل هذا العام ممثلا في أغنيات بوب ديلان، ربما للمرة الأولى ستظل منجزا لا يمكن نشره في لغات مختلفة.
ولهذا فإن ما يراه البعض خروجا من أسر التقليدية، وانحيازا لأشكال (فن -أدبية) جديدة، قد لا يزيد عن كونه ربما دفعة، على عربة نوبل، لإنعاش سوق تجاري تهدده التكنولوجيا الإلكترونية التي تعد أبرز ما أنتجته ما بعد الحداثة، عبر مغامرة غير محسوبة أو لعلها محسوبة جيدا، تعرف أن مثل هذه الاختيارات تجد دائما من يبرر لها تحت لافتات التجديد، والخروج من أطر الأنساق التقليدية، ومقاومة الفحولية والديكتاتورية الثقافية.
 ومدّا لهذا القوس ينبغي علينا أن نتساءل، إذا ما صدقنا أن هذا الاختيار أدبي بامتياز (ولو بالمعنى الما بعد حداثوي)، هل يمكن أن نثق حقا في أن بوب ديلان، وليس أي موسيقي وكاتب أغنيات آخر من اليابان مثلا أو من الصين أو مصر والعالم العربي أو حتى من امريكا أو بريطانيا قد يكون هو الأحق بالجائزة؟ ما هي الخارطة التي تحركت فيها اللجنة لكي تصل إلى اختيار يمتح من الثقافة الأنجلو أمريكية فقط، وهل كان بين المرشحين شعراء من كتاب الأغاني من ثقافات أخرى غير الأنجلو أمريكية؟ أم أن هذه المغامرات هي مجرد ألوان جديدة من صور تفتيت القيم بشكل عام، في مجتمعات صارت تعاني اليوم من فكرة تسييل وتمييع كل الأفكار لصالح ما يدعى الذائقة الشعبية؟
السؤال الأهم الآن وهو إذا سلمنا جدلا مرة أخرى في قدرة هذه المغامرة التي قامت بها لجنة نوبل لهذا العام، على التأثير في "قيم وتقاليد" ما يسميه أنصار المغامرة "القيم التقليدية الأدبية"، فما هو المسار الذي سوف يسلكه مستقبل الأدب والفن؟
لعل الإجابة هنا تتمثل في بعض المنجزات التي قدمتها صرعات الفنون التشكيلية التي سادت في الخمسينات والستينات في أوربا وأمريكا ووصلتنا في التسعينات، وكان بين شواهدها بعض الجرائم الفنية التي ارتكبها مغامرون في محاولات لمزج الواقع بالفن تحت عنوان "المفاهيمية"، من بينها أتذكر الآن وعلى سبيل المثال، فضيحة قيام فنان شاب في مصر يوما، مطلع التسعينات، باستخدام عضو بشري من جثة ميت في عمل فني. وشارك بها في صالون الشباب. وهذه التجربة وغيرها مما شاع باسم "الفن المفاهيمي" جاء سليلا لتجربة مارسيل دوشامب الذي دشن ما عرف باسم "الفن جاهز الصنع"، حين وضع "مبولة" من تلك المتواجدة في المراحيض العمومية في معرضه الشهير. ولا يمكن إعادة تأمل هذه التجربة وما امتد خلفها في إطار يبتعد عن كونها تجارب كانت تحارب الفكرة الجمالية نفسها. بالرغم من أنها استقبلت، بطبيعة الحال، من أنصارها ومروجيها، باعتبارها إطارا جديدا لمحاربة الفحولة التي تحارب ديمقراطية التجربة الفنية!
هذا المثال ليس تقليلا من شأن موسيقى بوب ديلان، بل يخص تعميم "تعريف ثقافي جديد" للأدب، لا يبتغي سوى تسييل القيم، كما شأن أغلب منجزات ما بعد الحداثة، بدعوى أن مؤسس الجائزة لم "يحدد" مفهوم الأدب المقصود!
المثير للتأمل هنا في تقديري أن التحيز لقيم "الديمقراطية الثقافية" بتبني مقولات الغذامي جاء تماما في غير محله، لأنه قد يكون مقبولا مثلا في الدفاع عن منجز مثل أعمال الكاتبة سفيتلانا اليكسييفيتش، لكنه هنا حين يثار على هذا النحو من دون الالتفات إلى أن الوسيط الذي تنشغل به الجائزة هو "حقل صناعة الموسيقى"، فإنني أشك كثيرا في أصالة فكرة التفكير خارج الصندوق هنا، لأن الخروج من الصندوق كان لا بد أن يحيلني لتأمل المناخ العام للموسيقى في الولايات المتحدة، والاطلاع على التقارير التي تتناول حجم الخسائر الهائلة التي يمنى بها هذا القطاع، لتأمل ظلال منح هذه الجائزة على هذا القطاع.
فبين تقارير كثيرة نشرت حول الموضوع نشرت صحيفة Buisness insider تقريرا عن الخسائر الهائلة التي مني بها قطاع صناعة الموسيقى الأمريكي بدء من عام 2009 مع سيادة ألوان التخزين الموسيقية الالكترونية، كتبه مايكل دي جوستا جاء فيه أن الأمريكيين قبل عشر سنوات كانوا ينفقون ثلاث أضعاف ما ينفقونه اليوم على الموسيقى، وأنهم كانوا ينفقون ضعف ما ينفقونه اليوم على شراء المنتجات الموسيقية قبل 26 عاما.
الأمر الثاني أننا بالتأكيد اليوم، وغدا لا يمكن أن نشك في إمكانية توفير عروض مستمرة لمسرحيات شكسبير، لكن الأمر بالنسبة للموسيقى لم يعد على هذا النحو بالنسبة للموسيقى الكلاسيكية مثلا، لأن غالبية جمهور عروضها الحية على المسرح من كبار السن، ولا يجد الجيل الجديد بشكل جماهيري ما يغريه للذهاب للاستماع لحفل موسيقى كلاسيك مقارنة بإغواء الفكرة لفرقة بوب معاصرة حديثة، ما يجعل سوق الموسيقى الكلاسيكية الحية بالنسبة لمنتجيها في انحدار، وإذا كانت موسيقى البوب، كما يشير إريك هوبزباوم قادرة على إحياء وإنعاش سوقها حتى الآن ببراعة، فالأمر يختلف بالنسبة لموسيقى سادت خلال أكثر من ثلاثة أو اربعة عقود.
وربما يكون في تقديري، من خلال منح جائزة أدب مرموقة، لموسيقي ينتمي لعقد الستينات، محاولة ذكية لإنعاش سوق يحتاج إلى الكثير من الدفع من أجل إنقاذ مستقبله التجاري.
وتاليا أعتقد ايضا أن الخروج من الصندوق يستدعي تأمل تجربة ديلان التجارية في السنوات الأخيرة، وهو قدم إعلانات تجارية لعدد كبير من المنتجات الأمريكية بينها مثلا الملابس الداخلية لشركة فيكتوريا سيكريت الشهيرة، ومشروب بيبسي (الصرعة الجديدة اللاحقة على كوكاكولا)، وسيارات كاديلاك، وسيارات كرايزلر. وفقا لتقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية. ولا يمكنني أن أفكر في نوبل ايضا من دون تأمل تأثير المنتجات "الأمريكية" التي روج لها ديلان في الإعلانات التجارية.
على أي حال، فإنني أعتقد أن أبلغ تعليق على اختيار لجنة الجائزة لهذا العام هو رد الفنان بوب ديلان نفسه، الذي لم ينطق بحرف ولم يرد على اتصال مؤسسة الجائزة وحتى لحظة كتابة هذا المقال، مؤثرا التجاهل والصمت التام. وهذا حقا هو الصمت البليغ.



Wednesday, October 12, 2016

ضد التفاهة


تغريدة


ضد التفاهة


إبراهيم فرغلي


أعتبر نفسي أحد المؤمنين بأن المستقبل يصنعه الأمل، وأحد المنحازين للتفاؤل مهما ضاقت الظروف، ومهما كان المناخ العام دافعا للتشاؤم. ومعيني في ذلك ليس إلا إعادة قراءة وتأمل دروس التاريخ.
في حوار جمعني مع الصديق سعود السنعوسي مؤخرا حول بعض كُتّاب العالم، أشار إلى عدد ممن لم يسبق لي القراءة لهم، وتطرق الحوار إلى الكتّاب اليابانيين، وحكى لي عن رحلتين قام بهما إلى بيتي أو متحفي الأديبين البارزين: يوكيو ميشيما، وياسوناري كاواباتا. ووصف لي تفاصيل المشقة المرعبة التي واجهها في واحدة من الرحلتين بسبب البرد وابتعاد المسافة حيث يقع البيت في منطقة بعيدة عن كيوتو بنحو خمس ساعات.
في أثناء استعادتنا لكتابات اليابانيين، قلت له أنهم من بين كتاب العالم الأكثر إنصاتا لكل كائنات الحياة بشرا وحيوانات، ونباتات او جبالا. ولهذا تأخذ نصوصهم هذا الطابع الوجودي العميق. وأظن أن هذا الطابع ليس له مثيل في ثقافات أخرى في العالم.
حين عدت لمراجعة تاريخ اليابان، تبينت أن النظام الياباني لم يتمكن من معجزته التنموية إلا بمنهج تعليمي يعلي من قيم المعرفة والعلم والبحث والاتقان، ولكنه، لم يكتف بالعلم فقط، بل حماه بمنظومة قيم أخلاقية رفيعة، تعلي من فكرة الشرف الشخصي، وبالتالي جعل الرقيب الذاتي للفرد على شرفه الشخصي هو الضمير الأعلى المتحكم في أخلاقيات المجتمع، ولعل ذلك مبرر ما نسمعه من قصص انتحار اليابانيين العديدة لأسباب تتعلق بالإحساس بالفشل أو امتهان شرف المهنة التي يمتهنونها.
ولهذا يبدو جليا أن التفاهة ليست من بين مفردات هذا المجتمع. وبمتابعة تجارب نهضوية أخرى مثل تجربة سنغافورة سنجد أن رئيس الوزراء الراحل ومؤسس سنغافورة الحديثة لي كيوان يو قد جمع النظام التعليمي الابتكاري الرائد مع نظام قيمي يهتم بإبراز القيم الكونفوشيسية خصوصا ما يتعلق بالتقاليد الخاصة بتقديس الأسرة وانعكاسها على المجتمع، واعتبارها اساسا للعمل في المصانع وسواها من وحدات الإنتاج. إضافة لفكرة احترام التنوع والاختلاف.
ولا شك أن المنظومتين معا؛ العلمية والاجتماعية الأخلاقية، أوجدتا بذورها في النظام التعليمي، أي من المدارس، ومن المؤكد أن إعداد وتأهيل أجيال من المعلمين المتقنين لنظريات التعليم والعقلانية، والمخلصين لفكرة الحفاظ على المجتمع؛ ببذر القيم الرئيسة في أطفال المدارس باعتبارهم اللبنات التي سيرتكز عليها مستقبل المجتمع، قد حظى باهتمام كبير جدا يجعل مكانة المدرس أو الأكاديمي في اليابان تماثل، أو ربما تعلو، موقع رئيس الوزراء. لأن رئيس الوزراء نفسه لا بد أن يتمتع بمزايا هذا النظام التعليمي حتى يتمكن من أن يتقلد منصبا كهذا، ويسهم بالتالي في استمرار مسيرة المجتمع الياباني في التقدم المستمر نحو الحداثة والرفاهية. 
هذه المنظومة الأخلاقية الرفيعة التي يتحلى بها المجتمع الياباني، ليست النواة الأولى لكل ما حققته النهضة اليابانية فقط، بل هي، كذلك، أداة هذا المجتمع في مواجهة وحشية الكوارث الطبيعية من براكين أو زلازل، بل وحتى الضربات النووية المجرمة، والنهوض عقب كل كارثة منها، أكثر قوة وقدرة على محو آثار الدمار بالمزيد من آثار الحياة.
مجتمع لا يعرف اليأس ولا الابتذال أو التفاهة أو الفساد لا بد ان يكون عملاقا على مستويات عديدة.


 نشرت في القاهرة في 11 أكتوبر 2016

Saturday, October 8, 2016

قبيلة الثورة والغالب والمغلوب


تغريدة

الغالب والمغلوب

إبراهيم فرغلي



خلال الاحتفاء الشعبي بمرور 39 عاما على انتفاضة 17 و18 يناير 1977، التي تعد واحدة من أقوى الانتفاضات الشعبية ضد السلطة الحاكمة في عهد الرئيس السادات، تناول العديد من جمهور وسائل التواصل الاجتماعي المناسبة بالاحتفاء. وبغض النظر عن المعنى المقصود من استدعائها، فقد لفت انتباهي قيام البعض بتدوين بعض الشعارات التي نادى بها الغاضبون تعبيرا عن رفضهم لسياسات رأى الشعب أنها تأتي على حساب الفقراء وتزيد من تجويعهم.
توقفت متأملا شعارا بثه صديق مقرب استدعاه من تراث الهتافات الشعبية آنذاك يقول: "لما الشعب يقوم و ينادي.... يا احنا يا هما في الدنيا دي.. شوف من فينا هيغلب مين".
وبعيدا عن كونه شعار يأتي من زمن آخر، وعبر جمهور أغلبهم اليوم في عقدهم السادس تقريبا، يرفض سلطة بعينها في ظروف تاريخية محددة، لكنه بدا لي ملخصا لأزمة عميقة في ذهنية "المعارض" المصري.
فالشعار يشير إلى عقيدة معارضة تنبني على وضع السلطة كلها في كفة وكل المعارضة في أخرى. وتصور العلاقة بينهما كعلاقة خصمين لا يمكن أن "ينتصر" أحدهما إلا بإبادة الآخر.
وعلى مستوى التعبير عن القهر فإن الشعار يجمع بين جماهير الشعب عاطفيا، ضد إرادة المستغلين والفاسدين، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك السنوات شهدت وجود كفاءات سياسية وحزبية وفكرية  في كل من معسكري السلطة والمعارضة معا.
أعتقد أن هذه الذهنية تعبر عن نوع من المراهقة السياسية التي لم تتمكن من تغيير الخطاب الذي استلبته من تاريخ المقاومة الوطنية ضد الاستعمار والاحتلال، فاستخدمته كما هو، من دون تمييز من الفارق بين معارضة الاحتلال التي تأخذ شكلا حادا، دونه الموت، من سلطة الاحتلال، وبين طبيعة المعارضة في حالة وصول حكومة وطنية إلى السلطة لا يمكن النظر إليها كعدو، مهما اختلفنا أو اتفقنا على الممارسات الفاسدة أو الجاهلة أو الفاشلة التي تمارسها، لأنها في الحقيقة، هي تمثل بديلا سياسيا من المفترض أن تعمل المعارضة على إقصائه لتقدم البديل المتضمن للسياسات والإجراءات التي تود أن تقدمها كبديل للسلطة الحاكمة.
وبافتراض نجاح قيادات ثورة 1977 ، فهل المفترض أن تعد نفسها حكومة خصومة مع كل من قام بعمل سياسي في عهد السادات؟ وهل يعني ذلك أن يتحول الجمهور لخصوم مع السلطة الوطنية الجديدة إذا ما خالفت ممارساتهم توقعات الشعب أو مصالحهم؟
أظن أن هذا الشعار يحتاج للمراجعة، في ظل مناخ يفتقر الحد الأدنى من الثقافة السياسية كما يتجلى اليوم على الساحة السياسية الهشة، والبرلمان الجديد خير مثال. إضافة إلى أن ما يعبر عنه هذا الشعار ليس مجرد رفض سياسات بعينها بقدر ما يؤسس ويمثل رؤية أحادية تذكرنا بالخطاب الإقصائي السلطوي من جهة، وذلك المعبر عن خطاب المتأسلمين الذين يقتلون كل من يخالفهم تاليا.

في ظل ثقافة سياسة مراهقة كهذه سيكون من الطبيعي جدا، وربما البديهي أن يسود المناخ العام، الثقافي والسياسي، مفهوم التخوين كاتهام وحيد وبديل يستخدمه كل فصيل أو جماعة أو طائفة أو جماعة سياسية مع معارضيهم، ثقافة قبلية تنتهج قيام قبيلة أنصار السلطة أو قبيلة الثوريين بإقصاء كافة القبائل الأخرى والعكس صحيح. 

مصطفى ذكري ويوسف رخا



تغريدة

تجربتان في اللغة

إبراهيم فرغلي

بعيدا عن القضية المستهلكة التي تأخذ أحيانا شكل الصراع حول الفصحى والعامية، هناك تجربتان في تطوير لغة السرد الأدبي، أوليهما الكثير من الاحترام، هما تجربتا الكاتبان الموهوبان القديران مصطفى ذكري، ويوسف رخا.
السبب الأول في احترامي لهاتين التجربتين أن أيا منهما لم يقدم موضوع اللغة وتطويرها بتعسف أو افتعال، بقدر ما أنهما جاءتا في سياق التجربة الأدبية. وهذا لا يعني أنهما التجربتين الوحيدتين المتعلقتين باقتراح تجارب سردية مختلفة تعتمد وتتضمن تطويرا للغة السردية، فهناك في الأدب المصري المعاصر تجارب كثيرة مهمة، لكني أتوقف عند الأحدث والأكثر معاصرة.
اللغة عند مصطفى ذكري هي جزء أساسي من نسيج التجربة السردية. تشعر أن كل كلمة مختارة بدقة وبعناية ومعرفة. كل كلمة ينبغي أن تصنع في النهاية أسلوبا لا يمكن أن يماثل أسلوب كاتب آخر، وهذا هو ما يسميه ذكري شرف الكاتب. وهو توصيف شديد الدقة.
بهذه اللغة التي بدا جليا انشغال ذكري بها منذ بواكير أعماله نحت أسلوبه الخاص، كما أن اهتمامه الشديد بالتفاصيل، أو بالأحرى ولعه بالتفاصيل أثر كثيرا أيضا في طبيعة اللغة السردية التي أنتجها في نصوصه.
على سبيل المثال، سنجده حتى حينما تأثر بألف ليلة وليلة في روايته التي صدرت مطلع التسعينات "هراء متاهة قوطية"، انشغل بحرف واحد هو حرف "الواو"، وهو حرف يوسم أو ينظر إليه بشكل دوني، بتعبير ذكري، لكي يوظفه في المناطق اللغوية البلاغية الضعيفة في اللغة، أي لكي يقوم بما يسميه "هتك البلاغية" الشائعة في ألف ليلة وليلة.
بالإضافة إلى أن نصوص مصطفى ذكري في غالبيتها العظمى تميل لأن تكون مكثفة، وهو ما يحتاج إلى طاقة خاصة لشحن الكلمات بطاقة التكثيف، واختيار الكلمات بأعلى درجة من الحساسية.
بالنسبة ليوسف رخا، فقد مارس أكثر من شكل أدبي، لأنه بدأ بالشعر، ثم انتقل إلى السرد، وأدب الرحلة، وفي كل هذه التجارب بدا جليا أنه مشغول بطرق تعبير فنية مختلفة، ولذلك فحتى حين كتب تجاربه فيما قد ينضوي تحت مسمى أدب الرحلة في "بيروت شي محل" مثلا، أو في كتابه عن تونس أو غيرهما، لم يكن مشغولا برصد ما يرى، بقدر ما بدا جليا انشغاله بالكيفية التي يوجد لهذه الملاحظات وسيلة بلاغية، أو أسلوب لغوي يلائم النص، ويقدم تجربة لغوية جديدة.
وطبعا كانت الطاقة المبذولة في اختلاق بلاغة أدبية جديدة أكثر وضوحا في روايته "الطغرى"، لأنه حاول فيها المزج بين اللغة السائدة في مدونات المرحلة العثمانية مع اللغة المعاصرة تدوينا وشفاهة على مستوى الخطاب اليومي، من دون الوقوع في فخ التحيز لأي منها، لأنه قدمها فقط لخدمة النص، ولإيجاد شكل يناسب مضمون الرواية، وبلغة تخصها وتعبر عنها.
لا ادعاء هنا بأهمية الفصحى أو العامية، ولا تحيز بين الاثنين، بل فقط محاولة لغوية تأتي كجزء من نسيج النص الأدبي، سواء كان الأمر في أعمال مصطفى ذكري، أو في أعمال يوسف رخا.
أما السمات الفنية الدقيقة التي تميز هاتين التجربتين اللغويتين شديدتي الأهمية بين تجارب النصوص السردية المعاصرة فسوف أعود لها تفصيلا، ولكل منهما على حدة في المقالات اللاحقة.

 القاهرة في سبتمبر 2016

غشماء الكتابة



تغريدة

غشماء الكتابة!

إبراهيم فرغلي

استطرادا في موضوع العامية والفصحى الذي أشرت له الأسبوع الماضي، يهمني التأكيد على رفضي لفكرة استخدام العامية كوسيلة تدوين، أولا لخطورة ذلك على لغة الفن، التي ستكون في حالة كهذه مرتعا لكل غشيم من "غشماء السرد"، بوصف الدكتور عبدالله إبراهيم الدقيق، ممن سيجدون ملجأ  آمنا لإخفاء ضحالتهم اللغوية والسردية باسم تطوير اللغة، والتدليس على القارئ بما يتوهمونه تطويرا. فيما لا ولن يعدو جوهر ما يقدمونه حدود الـ"تهتهة" السردية، على أبعد تقدير.
وللتوضيح فإن غشماء السرد، بتوصيف الدكتور عبدالله إبراهيم، وأنا أوافقه تماما: "أولئك الجاهلين بأمور الكتابة السردية من وظيفة، وطريقة، وغاية، وأسلوب، والذين يأتون الكتابة بلا دراية، ولا ذوق، ولا خبرة، ويعارضون الفطنة، ويسفهّون رفعة القول الأدبي، ويحطّون من قيمته، ويطلقون الأحكام الخاطئة، وشريعتهم في كل ذلك الجهل، والاختيال، والغطرسة".
بالإضافة إلى أن الكتابة بالعامية مؤشر خطير على مدى الانغلاق الذي يصل إليه المجتمع في عصر الإنترنت والانفتاح على العالم. هذا الانغلاق الشوفيني لا يدل إلا على مجتمع غارق في ذاته إلى حد العمى، لا يرى إلا نفسه، وبالتالي لا يدرك أنه في الحقيقة أعمى، والنتيجة تضخم مفرط للذات، ونرجسية، وإحساس بالغرور عن جهل. وبالتالي تتفاقم مشاكله باطراد.
وكما قلت في موضع آخر، أنا من اصحاب القناعة التامة بأنه لا يمكن لمجتمع أن يدّون أفكاره بالعامية إلا إذا كان مجتمعا نصف نصف، يرقص على السلم في المجالات كافة. فلا هو يتقن لغته الأم، ولا يمكن أن يخترع شيئا ذا قيمة من هذه اللغة الهجين. ولا يمكنني وصف مثل تلك النصوص العاجزة المكسحة إلا بأنها مسخرة لغوية. وهي نتيجة طبيعية لمجتمع يحب الرقص على السلم فلا ينتج إلا نصفا من كل شيء: نصف لغة، نصف ثقافة، نصف أدب، نصف صحافة، نصف ثورة، وبالتالي؛ نصف مجتمع.
 أتخيل ترجمة نص لهيجل أو نصا علميا متخصصا للعامية، وتضحكني كل النتائج المتخيلة، نتيجة استخدام لهجة شفاهية ليس من بين اهتمام مستخدميها لا العلوم الطبيعية أو الفلسفة والعلوم الإنسانية، ولا حتى دقة الوصف، فهي أداة تواصل تعتمد الاختزال والتكثيف، وربما لذلك تغوي المتحذلقين.
أما ثاني أسباب رفضي لفكرة استخدام العامية أو اعتبارها وسيلة تطوير لغوية فيتمثل في أن هجر السرد للغة الفصحى سيكون بالضرورة مبررا لأن تصبح اللغة، التي يصفها البعض بأنها "لغة رسمية"، مرتعا لأصحاب الخطاب المتشدد.
فحين تُهجر الفصحى من قبل الأدب، سوف تجد، بالضرورة، ملاذها لدى أصحاب الخطاب الديني المتشدد، بوصفها لغة النص المقدس. أي أنهم سوف يحتكرون اللغة الفصحى باعتبارها وسيلتهم في التعبير عن أفكارهم. وبهذا يكون الغرب قد نجح، كما يشير الفيلسوف الهندي آمارتيا سن، في تأكيد ضرورة انشغال اللغة العربية بالإصلاح الديني فقط. وفي المقابل يحتكر الغرب لغة العلم، بالرغم من أن اللغة العربية في عصر التطور المعرفي العربي، خصوصا في الحقبتين العباسية والأندلسية، جسدّت لغة من لغات العلوم الأساسية نقل عنها الغرب بذور نهضته العلمية اللاحقة في عصر النهضة عبر الترجمة. وهو الدور الذي يريد الغرب أن يمحي أثره ليرسخ لأنها ثقافة موت ودمار، لغتها ميتة. وللحديث بقية.


نشرت في القاهرة سبتمبر 2016

Friday, October 7, 2016

هيباتيا الضائعة


تغريدة


هيباتيا الضائعة

اللوحة من أعمال الفنانة هند عدنان


إبراهيم فرغلي

أتابع دوريا واحدة من المدونات الأمريكية التي تبحث في موضوع المرأة التي تستهدف دراسة الفلسفة.
وهي مدونة تنشر تعليقات في حدود نحو 300 كلمة لكل مشاركة عن وضعها كدارسة للفلسفة. وتلقي المدونة المذكورة الضوء على وضع المرأة، الباحثة، بين مجتمع الباحثين الذكوري، وتناقضات فكرة إمكانية تعرض امرأة للتعامل معها بوصفها أنثى أولا، وليست باحثة. بمعنى آخر تركز هذه المدونة على فكرة المساواة بين الجنسين في حقل البحث، وخصوصا في مجال دراسات العلوم الإنسانية. لكنني وجدت نفسي أتساءل: أين فيلسوفاتنا المصريات؟
أجريت بحثا على الإنترنت فوجدت أن الاسم الوحيد الظاهر هو اسم الفيلسوفة السكندرية الشهيرة، شهيدة العلم، هيباتيا.
وكالعادة استدعى سؤال كهذا أسماء عالمات مصريات أو عربيات، ومنها إلى حقول مختلفة، والنتيجة هي ندرة شديدة في إمكانية تذكر أكثر من بضعة أسماء في كل حقل منها.
وقد يكون من البديهي جدا القول في الإجابة عن سؤال الفلسفة أن المجتمع العلمي العربي كله، بمن يتضمنه من باحثين وباحثات لا يزال يحبو في العلوم الإنسانية، مقارنة بالطفرة الهائلة التي سبقنا إليها الغرب، رغم مبادراتنا القوية التي بدأت خلال حقبة النهضة العربية الإسلامية والتي انقطعت منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
لكن اللافت في الوقت نفسه يظل أن موضوع الفلسفة وندرة وجود فيلسوفات بالمعنى الحقيقي من أمثال رموز الفكر الفلسفي ليس مقصورا على العالم العربي بل يمتد كذلك إلى الغرب. ومع ذلك فندرة الفيلسوفات الغربيات المعاصرات لا يقارن بأي حال بوضع الفيلسوفة العربية الموءودة تقريبا في عالمنا العربي.
ربما يعود الانقطاع الرهيب بيننا كعرب وبين الفلسفة والفكر الحر عموما منذ تم محاربة أفكار المعتزلة وما أسفر عن ذلك من قمع فكري وواحدية وصولا إلى المستنقع الفكري الذي نعيش فيه اليوم.
لكني لا أزال أرى الأمر مثيرا للدهشة من حيث غياب مبادرة امرأة عربية للتفوق في مجال الفلسفة. بالرغم من تزايد الاهتمام بالدراسات النسوية في مجالات النقد الفني والأدبي والاجتماعي دون غيرها من حقول البحث العلمي.
صحيح أننا لا نزال نعيش، بسبب التفاوت المرعب في مستوى التعليم، وسيادة الرجعية والتخلف والإنفاق على تغذيتها بوحشية، في عالم جهول ينظر للمرأة بشكل فيه تمييز بشع، ويصفها بقلة العقل تارة، وبالعاطفية المفرطة تارة أخرى، ناهيك عما ابتلينا به من مظاهر ارتبطت مؤخرا بالأحداث الدامية على أيدي دواعش العصر من استعادة لعصور بائدة كنا نظنها حقبة مظلمة في أعماق التاريخ تداولت فيها مصطلحات مثل سبي، وجهاد النكاح، وغيرها من ظواهر قهر المرأة في أشد صورها فجاجة ولا إنسانية.
 لكن كيف يمكن لنا ان نتغلب على مثل هذه الكارثة من وجود فيلسوفات عربيات يؤكدن للعالم أن الفكر ليس مقصورا على نوع أو جنس بعينه
طبعا، وبديهي، أن هناك باحثات رصينات مهمات في مجال الدراسات الفكرية العربية في تونس والمغرب ومصر وربما غيرها من الدول العربية، لكني لا أعتقد أننا يمكن أن نرصد أكثر من ثلاثة أسماء منها في كل دولة على الأكثر.
ربما لا يكفي مقال كهذا للتدقيق في مثل هذه الظاهرة، مع ذلك ففي الإشارة إفادة حتى نعود.
نشرت في جريدة القاهرة الثلاثاء 4 اكتوبر 2016