Friday, January 29, 2016

إبراهيم فرغلي: هناك قراء هواة يتباهون بآرائهم عن أعمال أدبية لا يفهمونها





بعد وصول روايته للقائمة الطويلة للبوكر

إبراهيم فرغلي: هناك قراء هواة يتباهون بآرائهم عن أعمال أدبية لا يفهمونها

أجرى الحوار : أحمد ليثي 
نشر في جريدة القاهرة 





-         وصلت روايتك للقائمة الطويلة للبوكر، ومن الممكن أن تحصد البوكر، ما يجعلنى أتسائل، ماذا تعنى الجوائز بالنسبة لك؟

·       بشكل شخصي، لسنوات أدرت ظهري للجوائز. كنت شاركت مرة في جائزة أهلية، ولم تفز روايتي بها (ابتسامات القديسين)، وفوجئت أن أحد المحكمين خرج من اللجنة يقول للصحافيين أنه قاتل حتى لا تمنح الجائزة لفلان (يقصدني)! وبعيدا عن السلوك الذي يسقط به المحكم نفسه من مكانته كقاض عادل ونزيه يفترض أن ينتهي عمله وربما كلامه أيضا مع انتهاء عمل اللجنة، فقد ساءني هذا السلوك جدا، وقررت ألا أقترب من الجوائز بعد ذلك، خصوصا وأنني كنت، ولا زلت، افضل التعامل  في النشر مع الهيئات الأهلية والخاصة بعيدا عن الدولة . لكني أيضا اشعر أحيانا أن من حق العمل الذي أكتبه عليّ أن أساعد في انتشاره، في ظل سوء إمكانات أغلب الناشرين في تسويق الأعمال الأدبية، خصوصا وأن أعمالي مركبة وتجريبية وقد لا تتوافق مع الذوق الذي يحب الحكايات والحواديت المسلية. وأيضا في ظل غياب حركة نقدية تتمكن من متابعة الحركة الإبداعية المنتعشة والتي يتسبب غيابها اشتباك الغث بنقيضه فضلت الترشح للجائزة. وجائزة البوكر على نحو خاص لها دور مهم، رغم كل ما قيل ويقال عن اللجان في دعم انتشار الأدب العربي بين القراء العرب، وتسببت في انفتاح القراء المصريين مثلا على روايات من السعودية والكويت، وكذلك أسهمت في نشر المعرفة بالكثير من الكتاب العراقيين والفلسطينيين والسوريين وهذا أيضا مهم.

-         ألا ترى أن هناك أعمال جيدة لا تصل إلى قوائم الجوائز رغم أنها تحظى بقبول القراء والنقاد؟
·       هناك في كل الجوائز مثل هذه المفارقات بطبيعة الحال، وهي أمور تعتمد على آليات عمل اللجان، وعلى القواعد العامة التي تحددها اللجان في اختياراتها للكتب التي تراها وفق ذائقتها الخاصة أفضل من غيرها. وشخصيا شاركت مرة سابقة في جائزة ولم يحظ عملي بانتباه اللجنة، أظن أن هذا الجدل سيستمر، ودور النقد الثقافي العمل على حث لجان الجوائز، باستمرار، على الالتفات للروايات التي قد تكون ذات تقنيات مختلفة، شكلا أو مضمونا، وتقدم إضافة حقيقية لمسيرة السرد العربي. لأني أعتقد أن هذا هو دور الجوائز، ولي آراء عديدة في نقد جائزة نجيب محفوظ في بداياتها، وفي بعض دورات جائزة البوكر لنفس الأسباب.

-         هل الجوائز معيارا للأدب الجيد؟
في الحقيقة أن الشائع في الغرب أن الجوائز معيار أو ينبغي أن تكون معيارا للأدب الجيد، ومع ذلك حتى الجوائز في الغرب، وبينها نوبل للآداب لا تفتقر إلى النقد والانتقاد من قبل النقاد، مع الفارق طبعا، وربما تسهم الجوائز في انتشار روايات معينة، لكن دور الجائزة ينتهي أيضا بعد أن تقرأ الرواية وعندها يأخذ النص مساره، ويستمر نجاحه لو يستحق النجاح، أو العكس.

-         يحب القراء الروايات الخفيفة القصيرة، ألم تخف من كتابة رواية من 500 صفحة؟

·       ولماذا يحب القراء الروايات الخفيفة القصيرة؟ من هم القراء؟ وما هي سلطتهم التي سمحت بوضع هذا الكلاشيه؟ هذه أسئلتي لك، ولا أريد إجابات، لكني أضيف أنني قارئ قبل أن أكون كاتبا، وأذكر أنني قرأت في عمر مبكرة ما بين 14 و15 عاما أعمالا ضخمة مثل ثلاثية محفوظ والمراهق لدوستويفسكي واستمتعت بها جدا، وأقبلت بسببها على أعمال أكبر مثل الإخوة كرامازوف، وقرأتها باستمتاع. كانت الحياة بالنسبة لي في ذلك الوقت، تعني لي استراق الوقت لأجل مضي أوقات أكبر للحياة مع شخصيات تلك الروايات. وهكذا قرأت ثلاثية أبناء وعشاق لـ"دي إتش لورانس"، وألف ليلة، وملحمة سيرة أبو زيد الهلالي، والحرافيش، ودون كيشوت لسرفانتس، ومؤخرا مثلا أيضا وباستمتاع قرأت الجبل السحري لتوماس مان، وموبي ديك لميلفل، ولم اشعر بملل في روايات عديدة أخرى. والحقيقة أنه ساد كلاشيه يقول باقتران الأعمال القصيرة بالحداثة مطلع التسعينات، لكني حين زرت ألمانيا وأوربا وجدت الشباب يمسكون في المترو بروايات ضخمة. وبالتالي أدركت أنني يجب أن أتخلص من الكلاشيهات. اليوم للأسف تطالع وسائط الاتصال الاجتماعي أو حتى مواقع القراءة فتجد بعض القراء الهواة، ممن يبدو جليا أنهم محدثين قراءة، يتبارون في إظهار آرائهم في أعمال أدبية لا يستسيغونها بوقاحة يحسدون عليها، ويتصورن بفضل هذه الوسائط أنهم يمثلون "سلطة" نقدية ما.
 أنا أقرأ الآن رواية بديعة بعنوان فريدوركه للكاتب البولندي "فيتولد غرومبروتش" فيها مشهد يتصارع فيه مجموعة من البشر في موقف فضائحي ضبط فيه اب وأم ابنتهما مع عشيقين واختلطت كومة البشر في قتال موصوف بشكل متقن على الأرض، وبينما كان طرف خامس متورط ويراقب عن بعد، اكتشف أن الوقوع على الأرض ليس أسوأ من الوقوف في موقف كهذا فألقى بنفسه على الأرض بعيدا عنهم. ضحكت كثيرا وأنا أقرأ المشهد، وهو نفس ما يصيبني حين أرى تعليقات بعض القراء الهواة على روايات أعلم جيدا أنها روايات عظيمة صعب على أي منهم بذائقته البدائية أن يدركها!
لهذا كله لا أغازل القراء، وأكتب ما أحب أم أكتبه وأستمتع تماما بكتابته، لو اقتضى 100 صفحة أو الف صفحة.

-         تقول الرواية على لسانها، ينبغى أن تدركوا انى رواية حاوية للمعرفة، هل تظن أن الأدب يمكنه أن يكون مادة للمعرفة؟
·       الرواية بالأساس هي كتاب معرفة، معرفة بالنفس البشرية وصراعاتها وتناقضاتها، ومعرفة بالتركيب الطبقي لمجتمع ما، وبالبيئة والجغرافيا الخاصة التي يعبر عنها، ناهيك عما قد يقتضيه تناول موضوع علمي مثلا أو تخصص وظيفة لشخصية من الشخصيات. ليحاول مثلا كاتب مصري أن يكتب عن المجتمع الألماني، سيجد أنه أعمى تقريبا، من دون معرفة بالمجتمع الألماني والشخصية الألمانية وتفاصيل التاريخ وخصوصية الجغرافيا لن يكتب شيئا له قيمة، ولكن لأنه يملك "المعرفة" بالمجتمع المصري مثلا فهو يكتب عنه بسهولة أكبر. شخصيا مثلا توقفت عن كتابة أنامل الحرير ست أشهر من أجل شخصية ميهريت الإثيوبية التي ظهرت لي فجأة في النص، وعدلت مسارات وأحداث، لكني اكتشفت أنني أعمى. خلال ستة أشهر التقيت هنا شخصيات عديدة من إثيوبيا وجيبوتي، وترددت على المطاعم الإثيوبية، وتناولت أغلب الوجبات، ووقعت على أكاديمي إيطالي زودني بكتابين أحدهما تاريخ إثيوبيا كاملا، والآخر رواية لكاتب إثيوبي مهاجر. حاولت فهم طبيعة صراعاتها مع الدول المجاورة خصوصا الصومال وطبيعة الانتقالات التاريخية، والتركيب القبلي، ثم استمعت لعشرات المحاضرات على اليوتيوب بالإنجليزية عن الثقافة والتعليم في إثيوبيا، وشاهدت عشرات الحلقات الدرامية لكي آلف اللغة الأمهرية وأتأمل الشخصيات، بالإضافة للأفلام الوثائقية ولقطات الرحالة عن الحياة اليومية في إثيوبيا. ماذا نصنف هذا كله؟ اليس هذا كله حد أدنى من المعرفة؟

-         إذا كانت الرواية تنوب عن صاحبها فى الحكى ،تروى سيرته وتدافع عنه، أنت تؤمن أن الفن أقوى من صاحبه إذن؟
·       يساورني الإحساس بذلك منذ فترة، فعادة ما يكون لدي خطة أولية بسيطة وفق فكرة عامة أود تناولها، لكني أعتقد أن النص بعد فترة من الكتابة، يبدأ في فرض مسارات أو شخصيات على الكاتب. وعلى الكاتب الاستجابة بما يتماشى لضغط الفكرة الفنية التي لا يكون قد خطط لها، وفق معايير محددة في النهاية للشكل العام أو لإيقاع العمل إلى آخره.

-         تعاملت مع الرواية على أنها كائن حى ينطق ويتكلم، هل تعتقد أن أى نص أدبى أم غير أدبى يحاور قارئه ويتفاعل معه؟
·       بالتأكيد، النص يتحول إلى كائن مستقل، يتقدم ويواجه كاتبه، انامل الحرير قدمت لي فجأة يد سمراء نحيفة لفتاة تمسك بمخطوط المتكتم الوارد في النص. لا أعرف من أين جاءت أو لماذا انبثقت في خيالي. حاولت تجاهلها لفترة حتى لا أعقد مسار الوراية، لكني شعرت أن النص يتهمني بالتكاسل وقبلت التحدي. الفترات الأخيرة في كتابة الرواية لم أكن أستطيع النوم إلا في عزلة، كنت أشعر أن أطياف الشخصيات تحيط بي، والشخصيات تتحاور، كما أنني كنت في انتظار حل لنهاية نص متشعب ومتشابك وعلي أن أنصت له بكل جوارحي للنهاية. وقد كان.

-         هل استدعيت التاريخ المصرى القديم لكونه عصر حرية وحضارة تحلم بالعودة إليه؟
·       طبعا، هذا كان تصوري لاستعادة مصر لرقيها كما قدمته في أبناء الجبلاوي مثلا، وكما أعود إليه هنا، وكما فعلت كذلك في روايتي الفتيان اللذين نشرتهما مؤخرا. أعتقد أن الفجوة الكبيرة التي تفصل بيننا وبين فهم حقيقي وواعي لحضارتنا القديمة، مأساة، ربما أسهم فيه فتح مصر على يد العرب واستمرت حتى الآن. لكني لا أخلط الأمور، ففهمنا لحضارتنا لا يعني محاولات مراهقة للادعاء مثلا بأن الكتابة ينبغي أن تكون بالعامية، فهذا تخريب لتراثنا، لأن هويتنا العربية الآن هي جزء من تراثنا، لكن المهم هو هضم المنجز الحضاري واستعادته، في العلوم والمعرفة وفي الكتابة وأدب والفكر. لا منقذ لنا إلا العودة لجذور هذه الهوية الأساس.

-         يفضل أهل الأنفاق السرية العيش فى العتمة لأنهم أحرار مقابل العيش فوق الأرض حيث سيكونون عبيد، هل تفضل العيش فى أنفاق معتمة يؤمن اهلها بالخرية، أم العيش فوق أرض لا يؤمن اهلها سوى بمصادرة الكتب والإبداع؟


·       هذا ما فضله من عاشوا في مدينة الظلام، المدينة التي احتلتها الفاشية الدينية، وهي كل مدينة وأي مدينة تعيش على مصادرة حرية المعرفة والفكر والحياة الخاصة للبشر. أما في الأنفاق تحت الأرض فقد كانت هناك مرحلتين أو سياقين، سياق يعيش فيه أشخاص يولون الحرية أولوية أولى من دون أن يعرفوا ما جدوى الحرية، وهناك سياق آخر يؤمن بأن الحرية مسؤولية والدفاع عنها يقتضي أن يبذل جهدا منظما وعلميا لكي ينقذ مجتمع الظلام من ظلمته، أنا أفضل أن أعيش في أنفاق تحت الأرض مع النساخين الذين ينقذون المعرفة من خراب المخربين ومن استهتار العبثيين والعدميين معا. 

Tuesday, January 26, 2016

إبراهيم فرغلي: الرواية الجيدة لا يمكن أن تكون مسلية


إبراهيم فرغلي: الرواية الجيدة لا يمكن أن تكون مسلية



حاوره: موقع الكتابة







أفكار إبراهيم فرغلي لا تشبه إلا إبراهيم فرغلي، وربما لهذا يمكنك أن تلمح هذا التتابع ـ الذي يمكن اعتباره هندسياً ـ في كتابته، سواء كان هذا التتابع على مستوى الأفكار، أو البناء، أو السرد، وهو ما يجعل عالمه في النهاية أشبه بمتاهة كبيرة، داخلها متاهات ملغزة ممتعة صغيرة هي كل نص على حدة. يمكنك أن تعرف كتابة إبراهيم فرغلي ببساطة لأنها لا تشبه إلا إبراهيم فرغلي، بأفكار رواياته الخارجة عن المألوف، سواء في كتابة جيله، أو فيما كتبته الأجيال السابقة أو اللاحقة، أو حتى في تناوله لأفكاره الروائية التي يمكن أن تلمح فيها سمته الخاص، والتي يتنقل فيها من عوالم الكتب إلى عالم الإيروتيكية، إلى البناء المركب لنصوصه، سواء في النص الواحد، أو حتى في تلك التي تأتي في أكثر من جزء. إبراهيم فرغلي لا يشبه إلا ذاته، ومشروعه الإبداعي وأفكاره التي يؤمن بها ويكتبها ويعيشها. ويمكنك التأكد من خلال قراءة أفكاره في هذا الحوار.


ـ الراوي العليم لروايتك الأخيرة "معبد أنامل الحرير" وتدور على لسان رواية، وهي فكرة غريبة نوعاً، لماذا اخترت هذه الزاوية لرؤية العالم في هذا النص؟ وألم تتعبك قليلاً في محاولتها تتبع العالم حولها؟

** صحيح، قصدت، وأتمنى حقا، أن تكون الفكرة غريبة، لأنني بداية أميل للتجريب وللبحث عن سبل او وسائل سرد مختلفة، وأنتظر طويلا أن ألهم فكرة مختلفة للسرد. وبعد "أبناء الجبلاوي" وما تضمنته  من رواة متعددين ممن تجسدوا عبر "قرين" عدد من شخصيات نص كاتب الكاشف، وإضافة لحيلة طيف الميت في ابتسامات القديسين والسرد المتوازي بين عالم واقعي وآخر خيالي في كهف الفراشات، كنت أحاول البحث عن وسيلة أو حيلة سردية جديدة، وهي بالتأكيد متعبة نسبيا، لكنها كانت تجربة ممتعة، وهي في تقديري ورغم أنها تبدو عليمة فإنها في النهاية أيضا كانت ذات معرفة نسبية، لا تعلم كل شيء لأنها كانت تمتلك أسئلة لا تجد لها إجابة عن مؤلفها المفقود، وعن هويتها كجنس أدبي أيضا.

ـ لكننا لسنا أمام رواية عادية، بل يمكن القول إنك "أنسنت" الرواية، إذا يلاحظ القارئ أنها تشعر وتفكر، ولديها مشاعر إنسانية، وتفهمها أيضاً؟

** أعتقد أن هوية الرواية كنص معرفي متخلق من أفكار بشرية دفعني لأنسنتها بالفعل، لأنها مخلوقة من فكرة بشرية، وهي مرتبطة بأفكار مختلقها بشكل أو آخر، ومحيطها كله بشري. من جهة أخرى، ومن خلال خبرتي، فحين يبدأ الكاتب نصا ويقرر مساره، فإن ما قرره مبكرا يتغير ويتعدل، وأحيانا يجد نفسه مدفوعا ربما لمسارات لم تخطر على باله، ويداهمني أحيانا الشعور بأن من يتولى دفة قيادة مسار النص، في كثير من الأحيان، هو النص نفسه. وهذه هي الفكرة التي تأسست عليها محاولة إسباغ السمات الإنسانية في الوعي والإدراك على النص الذي يتولى السرد في معبد أنامل الحرير.

ـ لدي سؤال حول غرامك بالكتابة عن عالم الكتب، ففي أبناء الجبلاوي كان هذا العالم أيضاً حاضراً، وفي هذه الرواية حيث يحضر هذا العالم في كل التفاصيل ونرى المخطوطات في كل مكان، ولو تجاوزنا قليلاً لقلنا أن مدونتك التي أطلقتها مؤخراً حملت اسم "مخطوط".

** صحيح، الفكرة الرئيسة في أبناء الجبلاوي تتحرك من منطلق الخوف من اندثار المعرفة، وهي الهم الرئيس أو جوهر مضمون "معبد أنامل الحرير" مع اختلاف الشكل ووسائل السرد والتفاصيل في العملين. لكن اليقين الذي تتحرك منه أبناء الجبلاوي هو مقاومة الفاشية الدينية وقتلة المعرفة والأمية عموما، وهو نفس هاجس معبد أنامل الحرير. وفي نصوص تتناول المعرفة كوسيلة رئيسة للحرية تفرض الكتابة والمخطوطات والنصوص المختلفة والحوارات بين الكتب والأفكار والنصوص نفسها. وتحضر المكتبة أيضا كمستودع للمعرفة، وكمخزن للفكر وكطاقة دفع للوعي البشري وانتشار الفكر والعلم.

ـ لكن هذا التشابه بين "معبد أنامل الحرير" و"أبناء الجبلاوي"، ليس في هذا فقط، لكن في البناء المتشابك للنص، والذي يبدو شبيهاً بالمتاهة، والتي تحضر في الرواية الأخيرة مثلاً متاهة المكتبة وفي البيت الألماني وفي معبد الكرنك، هل يمكن اعتبار أن بناء الروايتين متشابه في رأيك، أو إكمال للفكرة؟


** هناك اشتباكات في مفهوم البناء، وليس في البناء نفسه. أبناء الجبلاوي بنيت كمتاهة، من دون أدنى ذكر للمتاهة. بناء متشظي يحاول أن يمسك بعوالم تبدو متباينة مثل اختفاء كتب نجيب محفوظ وعلاقة الابن اللقيط كبرياء بجده رفيق الذي لا يعرف أنه جده، ثم علاقة كبرياء بنجوى عشيقته وزوجته التي تعاني من متاعب عصبية ونفسية وتناقضات بسبب ضغوط الصراع بين التحرر والتقاليد، وصراع الأنثى في مجتمع ذكوري عموما، وهذا كله يشتبك مع أن ما ذكر كله يبدو في الاخير كمحتوى في نص كتبه مؤلف عصابي يعاني من رهاب ومخاوف تسيطر على ذهنه. وهذه التفاصيل تبدو في تباعدها وهي تشكل متاهة حقيقية. في النهاية لدينا مسار نص واحد تتتابع في روايته شخصيات وأطياف لمن يطلق على كل منهم قرين الشخص أو طيفه الروحي أو شيطانه لو شئت، ولدينا نص آخر يبدو كغطاء أوسع لأنه يفترض أن النص السابق هو جزء من محتوى ما كتبه المؤلف غريب الأطوار.

في معبد أنامل الحرير هناك متاهات في كل مستوى من مستويات النص الثلاثة، أي في متن الرواية التي تتولى سرد ما يحدث لها على سطح البحر، وفي مستوى متنها الذي يتضمن تفاصيل حياة مجموعة من النساخين الهاربين من الرقيب والفاشية الدينية، ثم هناك متاهات حياة المؤلف نفسه رشيد الجوهري الذي تتولى الرواية الحكي عن سيرته عبر تداعيات ذاكرتها.

في المضمون طبعا معبد أنامل الحرير تأتي استكمالا لمضمون أبناء الجبلاوي بوصفها محاولة لتأكيد أن المعرفة هي التي تحقق الحرية، وأن الفاشيات بألوانها ستكون صنو مجتمعات تتجاهل تراثها الثقافي والمعرفي وتشيع فيها الأمية.




ـ  بمناسبة الحديث عن المتاهة، نحن أمام ثلاث روايات في رواية واحدة: رواية "الرواية"، رواية مدينة النساخين رواية السفينة، فضلاً عن عشرات العوالم المتداخلة من ألمانيا إلى إندونيسيا إلى القراصنة إلى إثيوبيا، كيف كتابة هذا العالم المتداخل، مع أن كل نص منها يصلح كنص منفصل؟

** بالفعل أحب هذا النوع من التركيب ومحاولة السيطرة على عوالم مختلفة في نص واحد. لكن مقصدي من ذلك أننا اليوم نعيش في عالم كوكبي، عولمي كما يقال، وما يحدث في بورصة أمريكية يؤثر على بورصات العالم، وكل تغيير اجتماعي في زاوية من زوايا العالم نرى انعكاساتها في أطراف بعيدة عنها. ولهذا أحببت أن أتبنى ثلاثة عوالم بعيدة بينما تبدو المتاهة أو المتاهات التي يعيشها أبطال كل من هذه العوالم الثلاثة هي المشترك بينها في عالم تسعى الرأسمالية حثيثا لتدميره بوعي أو بدون وعي، وبحيث أصبحت بالفعل تحتاج لمواجهة قيم مختلفة لترشيدها قبل أن تنتهي من تدمير العالم تماما. ولهذا أفسحت المجال لصراع إضافي لدى الكاتب رشيد الجوهري خلال وجوده في ألمانيا من خلال تصارع ذاته بين ما يعتقد فيه عن الغرب والحرية ثم انقلابه على هذه الأفكار حين يرى ما يتعرض له المهاجرون من عنصرية، بالإضافة إلى معاناة الأفراد، أي المواطنين الألمان أنفسهم، في مجتمعات مادية تضع الجميع في ترس يدور بقوة وتمضي للأمام بشراسة، ومن يحاول الخروج عن المسار تهرسه التروس بلا رحمة.


ـ بهذه المناسبة طرحت في الرواية، على لسان "الرواية الراوية" فكرة القصة المسلية، وكأنك تريد مناقشة هذا الأمر، ففي حين يمكن اعتبار هذه الرواية مسلية خصوصا أنها تدور بالكامل في عالم الخيال، إلا أنها شديدة التعقيد، أريدك أن توضح لي فكرتك عن معنى الرواية المسلية؟

** الرواية حين تشير إلى نفسها، في لحظة من لحظات الشك في ذاتها، وعبر أسئلة تحاول بها أن تحل إشكالات تتعلق بهويتها كنص سردي، كانت تشك في كونها رواية مسلية وتنظر إلى هذا المعيار باحتقار أو دونية. وتقديري أن الرواية الجيدة لا يمكن أن تكون مسلية لأن التسلية يمكن أن تحققها أكثر المنتجات الفنية خفة وضحالة. لكني أظن أن الرواية الجيدة وكل عمل فني جيد في الحقيقة ينبغي أن يحقق المتعة العقلية. هذه المتعة العقلية لا تحققها في تقديري منتجات فنية خفيفة أو سطحية أو تتغيا التسلية فقط، بل هي التي تجعل القارئ يستمتع بالنص لكن متعته هذه تقترن بملاحظته أن عقله يعمل باستمرار، وتقترن أيضا بمحاولات الكاتب في صنع الدهشة، ثم من خلال اشتراكه، أي القارئ،  كطرف في إنتاج النص، من خلال تأويلاته أو تفسيراته أو حتى عبر التفكير فيما يقترحه النص من أسئلة أو إجابات. وهذا ما يجعل من القراءة عملية ممتعة من خلال خبرتي الشخصية كقارئ أولا وهو ما أحاول انتهاجه في الكتابة.

ـ تذكر فكرة التسلية هنا، باتجاهك لكتابة روايات للفتيان، وهو ما يحيلك من جهة إلى كاتب محترف وهو ما يرفض بعض الكتاب اعتماده، وما يطرح من جهة أخرى فكرة هل يمكن أن تكون قصة "مدينة الظلام" مناسبة للفتيان؟ أقصد هنا ما هي الحدود في رأيك بين العالمين، عالم الفتيان وعالم الكبار، ولماذا اخترت الكتابة للفتيان؟

** الكتابة للفتيان حركتها ملاحظتي أنني حين ادخل مكتبة شراء رواية لابنتي الكبرى ليلى التي بلغت الثالثة عشرة الآن، في صحبتها، فإننا نجد عددا لا نهائيا من روايات الفتيان بالإنجليزية، وأقصد هنا الروايات الموجهة للسن بين 12 إلى 16 سنة، ألوان من الكتب والأفكار، ومنها سلاسل: بين ما يتخذ شكل يوميات أو حكايات خرافية أو حكايات واقعية أو رعب أو مغامرات بوليسية إلخ. بينما في القسم العربي لا نجد سوى مكتبة فقيرة جدا، جلها موجه للأطفال من سن ما قبل القراءة وحتى 8 أو 10 سنوات بحد أقصى وإن وجدت روايات فأغلبها مترجمة. وأدركت أن هذا العمر من 12 – 16 مظلوم تماما في الكتابة الموجهة له، وهذا ما حفزني لمحاولة الكتابة للفتيان في الحقيقة. وهي أيضا محاولة لتوسيع نفوذ فكرة المعرفة لاستقطاب أجيال أصغر عمرا إلى قراءة الروايات بالعربية. وتشجعت لاحقا للكتابة لسن أكبر قليلا وهو سن 14 إلى 16 سنة تقريبا في كتاب جديد مصور سيصدر في القاهرة بعنوان "عودة مصاصي الحبر" عن دار جديدة "دار شجرة"، وهي مغامرات أبطالها عدد من الشخصيات لكل منهم اهتمام معرفي: الفلسفة والعلم والكتابة الأدبية والاكتشاف، وهي محاولة لدمج العلوم والمعرفة بالمغامرة المثيرة في أجواء غريبة.

وبالرغم من اختلاف الكتابة للفتيان على اعتبار أنني بحثت عن لغة مباشرة بلا تعقيدات، لكنها ايضا اتسمت بالفصاحة والبلاغة، وحاولت فيها تأكيد فكرتي بأن يكون الكتاب مشوقا لقارئ في هذا العمر، لكن النص يقدم له مفاجآت مدهشة ومعلومات وقيم عقلانية تحثه على التفكير باستمرار.

- يبدو لي ولعك بعالم الفراعنة، سواء في قصتك للفتيان، أو في خلفيات معرفية في رواية "معبد أنامل الحرير"، وهو الولع الذي ربما لم نجده منذ روايات محفوظ، ونصوص متفرقة قليلة مثل أنا الملك جئت لبهاء طاهر، وأخرى فيما بعد لعدد من الروائيين، كنت أريد أن أسالك عن سر هذا الولع.

** أعتقد أن أسئلة الهوية الشائعة الآن في المجتمع المصري أغلبها أسئلة تتعمد إقصاء مكونات عديدة من التراث المصري الثقافي. ولدي يقين أن هذا التشتت في طرح سؤال الهوية اعتمادا على ما حاولت الوهابية، ولا تزال، أن تصدره لمجتمعنا بمباركة الرأسمالية العالمية حول هوية إسلامية لا تختلط بأي مكون آخر هي واحدة من أبرز ما تعرضت له مصر من محاولات اغتيال ثقافي وحضاري في العصر الحديث، تشبه في تقديري محاولات فرنسا استعمار الجزائر بالقضاء على ثقافتها الأصلية، والسلاح هنا هو الأفكار الرجعية والتدين الشكلي بدلا من السلاح المادي، وبهذه الدعوات أصبحت هناك قوى عديدة ممولة من الوهابية أو مرتبطة بها تشيع في مجتمعنا منذ فترة طويلة أكاذيب عدة حول تحريم الفنون والآداب وتمثيل التراث الفرعوني بأنه أصنام، وإسباغ الأكاذيب المشبوهة والمريضة على الكتاب والفنانين إلخ، مما يؤدي للمساعدة في محو المنبع الأصيل للحضارة المصرية وأحد أبرز روافدها العلمية والفنية. ومع الميوعة الثقافية والإعلامية والسياسية التي تعيشها مصر منذ عقود لم ينتبه أحد لضرورة الدفع ببعثات وفرق بحثية مصرية لمزيد من التخصص والبحث العلمي في هذا المجال تقوم بدراسة هذا المنجز والتراث الحضاري بأيدي ورثته بدلا من الاتكاء على ترجمات البعثات الغربية.

 في الأعمال التي ذكرت تأكيد على ضرورة الالتفات إلى مركز حضارتنا التي تنصهر فيها مكونات فرعونية قبطية إسلامية معا وتمنح لنا خصوصية ثقافتنا ولكنها لا يمكن ولا تقتصر على مكون واحد منها. ولذلك الح على الفكرة ولفت الانتباه للمكون الاساسي لثقافتنا ممثلا في منجز مصر القديمة الحضاري والفكري والثقافي، وهو ما ركزت عليه أيضا في روايتي للفتيان الأولى والثانية.

ـ ثمة سؤال يتبادر إلى ذهن القارئ مع اقتراب الرواية من نهايتها، هل كنت تقصد المقارنة بين العالمين: الشرق والغرب من جهة، ومدينة الظلام ومدينة النساخين من جهة أخرى، خاصة أن هناك مقابلة لبعض التفاصيل ونلمح أحياناً خطين متوازيين بين قصة سديم وكيان ورشيد ويوديت مثلاً، وبين معبد أنامل الحرير ومعبد يورودور؟

** صحيح، هناك مقابلة مستمرة بين ثنائيات التخلف والتنوير، مجسدة في مدينة الظلام مقارنة بمدينة النساخين، في العلاقة بين سديم وكيان مقابل علاقة الكاتب رشيد الجوهري بيوديت الألمانية، لإلقاء الضوء عن علاقات الحب في البيئتين المتقابلتين، لكن هناك مقابلات أيضا تدين "المستنير العنصري"، تدين الغرب، من خلال نموذج الفتاة الإثيوبية ميهريت التي نرى من خلالها مشتركات إفريقية في القهر والفقر وقلة الاهتمام بالتعليم وتحويل المجتمعات الإفريقية لمجتمعات طاردة لأبنائها سواء كانوا مصريين أو إثيوبيين أو سواهما، الغرب في النص موضوع في ضوء النقد الإيجابي والسلبي معا. ومعبد يورودور بما يكون، بين ما يقترحه، الالتفات إلى ثقافات نامية قريبة منا أوجدت الحلول الروحية بعيدا عن السياسة. في إطار بحثها عن هويتها.

ـ تحضر المرأة بشكل كبير في الرواية، لكن ألا ترى أن الرؤية التي تطرحها عنها في مدينة الظلام شبيهة لرؤيتنا في عالمنا العربي والإسلامي بالضرورة لها مثل جملة "مجتمعنا المحافظ الفاضل الخلوق الذي يصون شرف المرأة ويقدرها كما لم تقدر المرأة أية حضارة أخرى"، فهذه الجملة نسمعها بالفعل يومياً على قنوات السلفيين؟

** طبعا الجملة على لسان سديم كانت سخرية نقدية واضحة ليس من جماعات الإسلام السياسي فقط، بل تجسد ايضا نقدا لاذعا لكل من يتبنى مقولات ذكورية شبيهة من قبل القوى التقليدية كافة، سواء في مجتمعات الريف أو الضواحي الشعبية في المدن أو لدى الطبقات الوسطى في المدينة . سديم تقدم نموذج للأنثى المتمردة على القيم البورجوازية الأخلاقية الكاذبة وشعارات الإسلام السياسي الضحلة معا.

ـ هناك انتقاد حاد لحضور الإسلام السياسي، وكأنك قصدت بهذا أن تقول إنه مسؤول عن التخلف في مدينة الظلام، مثل حديثك عن  بوكو حرام والإسلاميين المتشددين في ألمانيا.

** طبعا النص يفيض بنقد الإسلام السياسي كقوى خطيرة تبتغي السلطة وهي ترفع شعار طائفي، وهو ما يعني ان وصولها للسياسة لغم لا بد أن ينفجر؛ خصوصا في المجتمعات ذات الاختلافات العرقية والمذهبية. في الحقيقة الإسلام السياسي كله لغم طائفي يهدد العالم وليس المنطقة فقط، ومن أطلقوا المارد من القمقم أصبحوا الآن في مرماه على نحو أو آخر، حتى لو كان هذا المرمى هو معاقل التنوير والحرية الغربية، وهي اليوم تتعرض لاختبارات جدية لشعاراتها التي تأسست على وأد الفاشية الدينية في الكنيسة، بينما تحاول أن تبدي لونا من التسامح المزيف والكاذب والمتناقض إزاء الفاشية الإسلامية، والرواية تحاول أن تعكس تناقض مقولات الحرية الغربية في دعمها للإسلام السياسي ثم إحساسها بالورطة اليوم من خلال مناهضة جماعات شعبية لكل أسباب وصول الإسلام السياسي لها وبينها فتح باب الهجرة للأجانب من خارج المانيا.

ـ في بداية الرواية، ربما يشعر القارئ أثناء حديثك عن مدينة الظلام أنك تتحدث عن مصر في عهد الإخوان، خاصة عندما تتحدث عن إطفاء الأنوار في العاشرة مساء، وهو ما كان سيحدث مع قرار مرسي إغلاق المحلات في العاشرة مساء، أو عن موسيقى الميتال، هل كانت تلك المقاربة في ذهنك؟

** انتهيت من كتابة أبناء الجبلاوي قبل بدء ثورة يناير بعامين، وقد ظن بعض من قرأوها لاحقا أنها كتبت بعد الثورة بسبب العديد من التطابقات بين ما اقترحه النص وبين الأحداث، وأذكر أيضا أن أول موضوع صحفي نشر لي في "روزاليوسف" قبل نحو23 عاما تقريبا كان بعنوان "ماذا لو حكم المتطرفون مصر؟"، ولا أظن أن ما تكهن به التحقيق الصحفي آنذاك قد اختلف ولو بمقدار شعرة عما فعله الإخوان في مصر خلال عام من حكمهم: اقتحام الصحف وإرهاب السيدات، تهجير المسيحيين، شائعات هدم الأهرام، اقتحام المتاحف وتكسير المقتنيات الأثرية، وتكفير الكتاب، سحل المدنيين، ويمكنني القياس على ذلك لقرن قادم. هذه تركيبة عنصرية أحادية لا تعترف بالآخر وتتمسح بقشور الدين لإقناع المساكين بكيفية أن يصبحوا غوغاء باسم الدين.

ـ لماذا جعلت الجزء  بالعامية المصرية، واستدعيت رموزاً فرعونية، مع أنه كان يمكن للقارئ أن يتخيل أن هذا يدور في إيران أو السعودية مثلاً أو حتى في ظل حكم داعش، ألا ترى أن هذا قد يحبس النص في إطار معين؟

** لنقل أن هذا جانبا من ديمقراطيتي الفنية، إن صح هذا الفرض اساسا. أردت أن أضع ما لا أقتنع به، رغم أنه مثار جدل أتبنى عكسه. أي أنني بشكل عام ضد الكتابة بالعامية، وعملت باستمرار على إيجاد حلول فنية، في أعمالي كافة تقريبا، لتجنب الحوار بالعامية. لكني هنا قلت لنجرب الرداءة، والواقعية الفجة، والمناطقية، لكي يدرك القارئ كم هي فجة ولا فنية مهما بدت قادرة على التعبير عن الشخصيات التي تمثلها. وكم هي منطقة مريبة مثيرة لفكرة تفتيت الثقافة العربية وتشويه اللغة العربية. مع ذلك اعتقد أن العالم نفسه، حتى لو بدا هنا مصريا، يعبر عن منظومات شبيهة في كل مكان يمنح للرقيب سلطة اعتبارية في السعودية أو إيران أو باكستان أو غيرها من الدول التي وقعت أسيرة السلطات الطائفية الفاشية.

ـ  كما انتقدت مدينة الظلام وحكامها، وجهت ما يمكن اعتباره انتقاداً للمجتمع الذي بدا في بدايته طوباويا، أقصد مجتمع النساخين/ المثقفين إذا جاز التعبير، من ديكتاتورية، ونظرة فوقية للطبقات الدنيا، مثل نظرتهم لـ "إبرة مثلاً"؟ لماذا لم تحافظ عليها يوتوبياَ حتى النهاية؟

** معك حق، لكني ربما أردت التأكيد على أن اليوتوبيا تحتاج من أجل أن تتحقق إلى بعض البراجماتية، وإلى استبعاد كل ما قد يؤثر على مشروع النساخين. اليوتوبيا هنا ليست طوباوية أخلاقية مثالية بقدر ما أنها طوباوية علمية لو صح التعبير، أي تحاول امتلاك القدرة على تحويلها من تكوينها الخيالي المثالي إلى تكوين يمتلك الظروف الواقعية التي يمكن أن تحولها إلى حقيقة. النظرة الفوقية هنا نقد لانعدام الكفاءة ولمفاهيم سادت في مدينة الظلام مثل الفهلوة والوساطة إلخ، فيما تقترح مدينة النساخين قيم التخطيط والتعلم والقدرة على فهم قانون وجوهر النسخ.

ـ بالمناسبة، لماذا "النسخ" وليس "الكتابة"؟

** في لقاء جمع الراوي مع نقار الزجاج وأحد المشرفين على مشروع النسخ وهو ناصر، يدور بينهما حوار عن النسخ، والفرق بينه وبين القراءة، وحيث يتم تشبيه القراءة بكونها تماثل رؤية مدينة من الطائرة قبل الهبوط مباشرة، بينما النسخ يعني التجول على الأقدام في المدينة والتعرف عليها خطوة بخطوة. النسخ هنا نقد مباشر ليس للجهل والأمية الأبجدية فقط، بل ونقد للأمية الثقافية أيضا، للأنصاف، لنصف ثقافة ونصف حداثة ونصف تعليم لا تنتج ولا يمكن أن تنتج سوى مسوخ من هذا كله. النسخ مشروع لإحياء العلم المطمور تحت ركام الكسل العقلي والقرائي والجهل.

ـ وبهذه المناسبة أيضاً، لماذا استدعيت عدداً من الكتب الممنوعة، مثل آيات شيطانية، وحتى أن آخر جملة في الفصل الأول هي "وليمة لأعشاب البحر"، فضلاً عن نصوص إيروتيكية أخرى؟ ألم تخش أن يثقل هذا النص؟

** في نص يتحدث عن النسخ أعتقد أنه كانت هناك ضرورات لاقتباس مخطوطات ومدونات ما، وبعضها استخدم في قالب كوميدي مثل قراءات دون كيشوت، وبعضها استخدم في كشف مساحات الحرية في مدينة الأنفاق السرية التي تحتفي بالكتابة الحرة أيا كانت، من خلال النصوص الشبقية أو الإيروتيكية في قراءات مخصصة لهذه القراءات وسوى ذلك.

ـ الاستدعاء الأبرز كان من نصيب "أبناء الجبلاوي"، لماذا استدعيتها، هل ذلك لمجرد "اللعب الروائي" أم لربط الروايتين معاً؟  كما أود أن سألك عن رؤية "الرقيب" لروايتك التي بها مشاهد جنسية؟ هل حدث هذا بالفعل مع "أبناء الجبلاوي"؟

** أعتقد أن اللعب الروائي كان المقصد الأول، أي أن اللعب كان الخاطر الذي انبثق في ذهني في لحظة، لكنها أيضا كانت مقصودة لنقد الرقيب الذي منع النص في الكويت لأسباب غير معروفة، ولنقد الرقيب الذي منعه في مصر ايضا لفترة؛ حين عومل كنص مطبوع خارج مصر لمجرد كون الطبعة الأولى منه طبعت في منطقة حرة! المثال كان لتأكيد ازدواجيات الرقيب ولا موضوعيته وجهله. شخصيا لا أعرف هل كان الجنس أحد اسباب منع أبناء الجبلاوي أم لا فالرقيب عادة، يحب التستر والصمت، ولا يعلن حتى أسبابه للمنع. في تقديري لأنه يعلم أنه متهافت، وهو يجامل موظفين مماثلين له في السلطة الرقابية. 

ـ تحضر "المثلية" في الرواية بأكثر من صورة، سواء في مقطع شعري، أو في علاقة صديقين في ألمانيا، أو في "قاسم" بطل الرواية، لكن لا يحضر كما تعودنا في النصوص العربية باستهتار أو استهزاء أو امتعاض؟ وربما يكون السؤال الأبرز الذي سيواجهك هنا: لماذا جعلت بطل روايتك مثلياً؟

** هذا هو بالضبط السبب. فبينما يتشدق كتاب ونشطاء وليبراليون كثر بحقوق المثليين  نجد في خطابهم الذكوري احتقارا مضمرا لهذا الاختلاف الجنسي، وفي رواية مثل عمارة يعقوبيان نموذج آخر على رداءة وذكورية ليس المجتمع الذي يتعامل مع المثلي باحتقار، بل ذكورية ورجعية الكاتب الذي بدا منحازا ضد بطله من البداية للنهاية ويدينه بشكل ساطع. ومنذ فترة وأنا أفكر في موضوع المثلية من منطلقات ما سمعته من مثليين في أوربا، وقد اجريت بحثا واسعا عن الموضوع، وأحببت أن أشارك القارئ الكيفية الإنسانية التي يمكن أن نرى بها الآخر مهما اختلفنا معه.

ـ هناك حس ساخر في الرواية، مثل "الشخر" الذي قام به المعارضون لمواجهة "المتكتم"، أو حتى طريقة كلام "إبرة"، هل في هذا إشارة إلى المعارضة بالسخرية، كما حدث في مصر في عهد الإخوان، أم أنك كتبت هذا بمعزل عن الخلفية السياسية في مصر؟

** إلى حد ما، إشارة عارضة لفكرة المعارضة بالسخرية وتأملها، في عهد الإخوان وفي سواه ايضا.

ـ كتبت هذه الرواية في 6 سنوات، كما أشرت في ختامها، وهي فترة طويلة نسبية، وإن كنت أصدرت خلال هذه الفترة عدداً من المجموعات، أسألك عن آلية الكتابة فيها، هل كنت تكتب، ثم تتوقف، ثم تعود إلى الكتابة مرة أخرى؟

** بدأت فيها عقب انتهاء أبناء الجبلاوي مباشرة، لكني اكتشفت أنني لم أستطع التخلص من نبرة السرد التي انتهجتها في الجبلاوي فتوقفت حتى أجد الصوت الذي يناسب النص الجديد. وابتعدت تماما عنها من خلال عكوفي على التدرب على كتابة سيناريو مسلسل درامي، أنجزته خلال عام كامل مع نفسي كتجربة للتدرب على الكتابة للسينما التي أتمنى أن أكتب لها نصا على الأقل.

في الأثناء كانت رواية "المتكتم" كما كنت أسميها مؤقتا تعيش معي، وكلما راودتني فيها فكرة جديدة كنت أدونها. ثم داعبتني فكرة الكتابة للفتيان، وكانت بالنسبة لي فرصة اخرى لاستخدام لغة مختلفة وأسلوب سردي لم أعتد عليه، ثم عدت لنص معبد أنامل الحرير بعد أن توصلت لفكرة الرواية الراوية. ولعام كامل استمريت في كتابتها حتى ظهرت لي شخصية فتاة إثيوبية فجأة. حاولت الهروب منها، لكني لم افلح. فرضت نفسها على النص. ولما لم تكن لدي أي خبرات أو معرفة بإثيوبيا وثقافتها توقفت عن الكتابة وبدأت في البحث الميداني والتاريخي. ترددت على مقاهي الإثيوبيين، وحاولت أن التقط منهم بعض المعلومات، ثم تعرفت على صديق من جيبوتي عاش فترات طويلة في آديس آبابا؛ فأخبرني الكثير من التفاصيل عن الحياة بها، ثم ترددت معه على أحد المطاعم الإثيوبية وتعرفت على الطاهية العجوز في المطعم وكانت تنقل لي خبراتها عن بلادها، واستمر بحثي ولقاءاتي مع الناس نحو ستة أشهر، ثم وقعت على روايات وبعض كتب تاريخية وأخيرا تابعت برامج وثائقية عديدة.  في الأثناء كانت صديقة مهتمة بالكتابة للفتيان قد اقترحت علي مشروعا وأعجبتني فكرتها فجلست أكتب لستة شهور متواصلة في النص الذي وعدته بها، والذي تحدثت عنه سالفا هنا "عودة مصاصي الحبر".
لكني كنت أشعر أن "معبد أنامل الحرير" هو نص يعيش بجواري، ينتظرني وأنتظره. ولذلك فحين شعرت أنني تشبعت واصبحت متمكنا من الشخصية التي اسميتها ميهريت عدت لاستكمال الرواية.

ـ  آخر سؤال فيما يخص الرواية، لماذا هذه النهايات المفتوحة، والحلقات غير المكتملة، ومصائر الأبطال غير المكتملة؟

مجموعتي القصصية الأولى "باتجاه المآقي" انتهت بقصة فراشات، والتي بدأت بها رواية كاملة هي كهف الفراشات، وابتسامات القديسين استكملت جزئها الثاني في جنية في قارورة والآن أعكف على الجزء الثالث "يا حنين" وسوف تصدر الثلاثية في كتاب. أنا أظن أن الحياة متاهة، لا توجد جملة نهائية، لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، والكتابة تشبه الحياة على نحو أو آخر، وكثيرا حتى ما أفكر العودة إلى كهف الفراشات مثلا وكتابة نسخة جديدة منها بخبرات مختلفة. وأسئلة الكتابة التي تقترب من أسئلة الحياة تصفعنا بين حين وآخر بما يستعصي على الإجابة، ثم يتوهج في بعض الأحيان، في ذهني، ضوء مباغت كإجابة ما على سؤال سبق أن أثرته في الكتابة فأعود إليه. وحين تغير الراوي العليم في تاريخ السرد إلى الرواية الذاتية، لم يعد من الممكن أن يكون الفرد ملما بأقدار ومصائر الآخرين، بالإضافة إلى أننا ليوم أحوج ما نكون لاختبار كل مقولة وكل خبرة وكل معلومة نقلت لنا عبر مصادر تاريخية بينما قد تكون كلها كذبات كبيرة نجح المؤرخون في نقلها لنا على ما أرادوا. الكتابة في تقديري محاولة للشك وإعادة تأمل مصائر البشر في ظلال النسبية والشك والتأمل بلا أي يقين. وهو ما يجعلني أتحرى دوما المصائر غير المكتملة والنهايات المفتوحة.

ـ تقع الرواية في حوالي 520 صفحة، وهو حجم كبير نسبياً بالمقارنة بالروايات التي تصدر الآن، لكنه ليس كبير بالنظر إلى أعمالك، التي تتميز بشيئين، الغزارة بما يذكر بكتاب الأجيال السابقة، وهو ما لا نجده لدى كل كتاب جيلك، والتركيز في مشروع واضح ومتتابع لمن يقرأه، كيف ترى أنت الأمر؟

**صحيح وانا نفسي فوجئت من مسألتين، الأولى أنني في لحظة ما وجدت نفسي مضطرا للانتهاء من الرواية التي كانت تشغل حياتي على مدى ستة أعوام، ثم تاليا فوجئت بحجم الرواية، الذي فاق كل ما كتبته مسبقا. لكني متصالح مع ذلك جدا. والحقيقة أنني أنزعج وأتحسس تماما من أي كلاشيه. أتحسس من اتفاق الجماعة حتى لو كانت تدعي الليبرالية أو الحداثة، على فكرة بشكل قطيعي، أنزعج جدا من أن تتماهى الجماعة، ايا كانت، حول أفكار محددة وتفترض أنها يجب أن تتفق حولها. وهذا ما كان يجعلني حتى في سلوكي اليومي مع أصدقائي اتبنى آراء مضادة على الفور من أجل التيقن من أسباب الإجماع على كاتب ما مثلا، أو شخصية، أو حتى توجه فكري أو حدث. وكنت لاحظت أن هناك إجماعا بين كتاب ما اصطلح على تسميته بجيل التسعينات على أن أحد معايير الحداثة أن يكون العمل الأدبي قصيرا. وهو ما جعلني على سبيل المثال أتعامل مع عمل ملحمي مثل ابتسامات القديسين بتكثيف. وأذكر ملاحظة لقارئة للترجمة الإنجليزية للرواية أنها كانت تتمنى لو طال النص كثيرا عن ذلك. وتساءلت لماذا لا يقف كتاب الحداثة في الغرب أمام حجم الرواية كمعيار. ولماذا يكتب أمبرتو إكو رواية من 500 صفحة أو أكثر ويجد قراءه وهو يكتب رواية تتكئ على تراث الرواية التقليدية في النهاية؟ وهكذا قررت أن أضرب عرض الحائط بمقولات متفق عليها في جيل التسعينات عن ارتباط الحداثة بحجم النص. وأن أنصت فقط لما يريده ويتطلبه كل من السرد وظروف العمل والنص، ووفقا للأفكار والمضامين التي أود معالجتها والوسائل الفنية التي أريد اختبارها.  

أجرى الحوار الشاعر والكاتب محمد أبوزيد 


نشر الحوار في موقع "الكتابة" في يوليو 2015


Tuesday, January 12, 2016

جيش غاندي!


تغريدة

جيش غاندي!

إبراهيم فرغلي





أقرأ بين آن وآخر تعليقات أو آراء يفترض قائلوها أنها مقولات سياسية، تتماهى فيها دلالات استخدام كلمة الجيش مع الديكتاتورية، في خطابات تذكرنابخطابات المواطنين عن جيوش الاحتلال أو الاستعمار الغربي لبلادنا، من دون التمييز لدور الجيش كمؤسسة وطنية مهمتها حماية الأمن القومي للبلاد، وذلك على الرغم من الدلائل التي برزت على ساحة الأحداث قبل أسابيع في مجتمعات ديمقراطية عتيدة مثل فرنسا وبلجيكا مثلا، بمجرد تعرضها لبعض العمليات الإرهابية التي اضطرتها لاتخاذ قرارات استثنائية  انتشر الجيش بمقتضاها في الشارع.
ولكي لا تكون المقارنة بعيدة عن أوضاع مجتمعنا الذيلا يزال يتلمس خطواته الأولى جدا نحو الديمقراطية، ويحتاج لعقود حتى يتخلص أفراده، قبل مؤسساته الحكومية والسياسية، من ذهنية الخطاب الأحادي الإقصائي،سأقدم نموذجا سياسيا مهما لا ينتمي للغرب وهو النموذج الهندي، لعلنا نتأمل.
يعرف العالم كله الزعيم الهندي غاندي بأنه واحدمن أبرز رموز الحرية في العالم،  الذي حرر بلاده من الاستعمار عن طريق العصيان المدني، والمقاومة السلمية، والذي أدت جهوده مع جهود المجتمع المدني بعد الاستقلال لأن تصبح الهند أكبر ديمقراطية في العالم، وحتى اليوم.
 وللحفاظ على هذه الديمقراطية؛عملت الهند لبناء جيش مسلح بأفضل وأحدث قوى التسليح، مستغلة طفرات تقنية وتعليمية حققتها خلال مسيرة بناء الدولة بعد الاستقلال ليصبح الجيش الهندي اليوم ثالث أقوى جيوش العالم، وفق ما تورده مصادر موثقة، ويمتلك، بالإضافة للسلاح التقليدي بكل ألوانه، قوة ردع نووية هي السادسة بين قوى العالم في هذا المجال.
وصحيح أن رئيس الوزراءالهندي يمتلك صلاحيات رئيس الجمهورية إلا قليلا، لكن رئيس الدولة المدني يحتفظ بمنصب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وتلتزم الهند بكافة الاتفاقيات التي تلزمها بعدم البدء بالاعتداء على الغير تأكيدا منها على أنها لا تبتغي من قوتها العسكرية إلا الحفاظ على الدولة.

ولعل الهند، التي تعد واحدة من أكثر دول العالم تعرضا للاستنزاف والنهب من قبل القوى الاستعمارية الإمبريالية، قد تعلمت الدرس جيدا، ونجحت، في طريقها لبناء نهضتها المشهودة اليوم، في إدراك أن هذا العالم الذي تقتات فيه دول منحطة أخلاقيا في علاقاتها بالعالم، بتدمير شعوب أخرى والتحكم في مصائرها، تحتاج للقوة اللازمة لمواجهة مخططات المناوئين، من دون أي تناقض بين يقينها في العملية الديمقراطية كأساس لحكم مجتمع يتكون من عشرات الطوائف والديانات والمعتقدات ويتحدث بعشرات اللغات واللهجات، وبين كيفية حماية تعايشهذا المجتمع بكل الوسائل الممكنة، ووضع الهند على خارطة القوى العالمية التي يجعل الغرب يضعها في حسبانه جيدا.
حققت الهند هذه الديمقراطية عبر مبادرات المجتمع المدني، وتكوين الأحزاب لكوادر مؤهلة لكسب ثقة الشعب، بغض النظر عن الطائفة التي ينتمي لها أي من هؤلاء السياسيين.
الديمقراطية تصنعها الهيئات المدنية، والأحزاب أساسا، عبر عمل سياسي منظم ومستمر، يمكن لها به أن تصبح قوة حاسمة تواجه الفساد وتجاوزات الشرطة ولا كفاءة النظام، بل وأي تقصير من أي مؤسسة مدنية أو عسكرية، وهذا بعيد تماما عن مجتمعنا المدني الرخو. نعم، الديمقراطية تصنعها المؤسسات المدنية، ويسهر الشعب على رقابتها، ويحميها الجيش؛ في الهند وفي مصر، وفي أي مكان آخر.

نشرت في جريدة "القاهرة" - 12 يناير 2016

Monday, January 11, 2016

Ibrahim Farghali: Sons of Mahfouz

Ibrahim Farghali: Sons of Mahfouz: Sons of Mahfouz Youssef Rakha quizzes out novelist Ibrahim Farghali on his greatest masterpiece to date Finally, a true event in cont...


Sons of Mahfouz



Sons of MahfouzYoussef Rakha quizzes out novelist Ibrahim Farghali on his greatest masterpiece to date



Finally, a true event in contemporary Arabic literature: Last month at the Diwan Bookshop, in Zamalek, 
Ibrahim Farghali (b. 1967) signed copies of his latest novel, Abnaa Al-Gabalwi (Sons of Al-Gabalawi), published by Dar Al-Ain this June, while he was on holiday from his job as a magazine editor in Kuwait. It may seem ironic to call this intimate gathering an event, particularly judged against the much greater media attention paid to much lesser books in the last ten years. Yet from a history-of-literature point of view, Abnaa Al-Gabalwi is probably the closest we have come to a fulfilment of the prophecy that a home-grown magic realist movement would emerge in the new millennium.

The many disparate and as yet shy strands of magic realism linking Farghali's books with such writers as Mustafa Zikri -- it was thought -- would eventually cohere into a more readership-oriented, ambitious and articulate body of novels.
Such books would combine the realism and social commitment of the Sixties narrative tradition with the individualism and physicality of the Nineties (the latter thus far accommodated mainly by the prose poem). It would give substance to the notion of an "age of the novel", espoused by critic Gabir Asfour at millennium's end, and express a range of recent influences from Gabriel-Garcia Marquez and Jorge-Luis Borges to Umberto Eco to Jose Saramago -- all of whom demonstrated how elements of the fantastical could be deployed to intensify reality and/or infuse the public realm with private experience.

Abnaa Al-Gabalwi -- and, yes, the title is a translation back into Arabic of the title of the first English translation of Naguib Mahfouz's Awlad Haretna (1959) , also known as Sons of Our Alley -- seems to be that rare thing: a self-consciously self- conscious full-length Arabic novel, designed as much as anything to define the language's most talked about genre and, crucially, conceived on as grand a scale as can be expected.
"Of course Saramago, for me, is the literary model," Farghali says. "To write a long, big, subtly conveyed text through which to say everything. And with the highest degree of artistic excellency possible, to create a large idea that accommodates numerous smaller ideas, juxtaposes styles and discordant voices. My ambition is a text that could be read and enjoyed and reread and still enjoyed by an ordinary reader as well as a member of the literary elite. It's an ambition like Dostoevsky's and Saramago's, and I hope I don't sound vain when I say this. I think I had been practising since Ibtisamat Al-Qiddissin," his 2006 novel, translated by Andy Smart and Nadia Fouad-Smart as The Smiles of the Saints, "to produce a text of this level."
As a literary critic, Farghali has been the quickest to dismiss such middle-brow, best-selling "phenomena" as Alaa El-Aswany's The Yaqoubian Building ; and his principal argument against such books is that they pander to a growing but limited -- and limiting -- worldwide market, that "they are not novels at all, but illusions".
Yet Farghali's own ambition extends to sales figures too: a fact more evident perhaps in this book than in previous ones. "Aside from theorising or stating the obvious, aside from the conditions of narrative and imagination and construction and the depth of the characters, I think a text to which the term 'novel' is applicable must also be an 'art object', meaning that it must make sublime, competent and beautiful use of the language, it must use the language in its own specific way. To be called a novel, the text must absorb the narrative methods that have been employed throughout history, it must know its place in the history of narrative. It has to be contemporary, experimental and deep, and work towards abiding by the conditions of the modern as a general context that is influenced in turn by economic, social and historical factors. Only then," Farghali says, "is a narrative text worthy of being called a novel."
***
Irrespective of his 1989 Nobel prize -- an unprecedented achievement in the Arab world, and one that somewhat overshadowed his already established career -- the Egyptian novelist Naguib Mahfouz (1911-2006) remains an inescapable reference point. His incredibly large body of work acted to define the Arabic novel (the youngest in the language, not having emerged until the turn of the 20th century, and Mahfouz's preferred genre throughout his life); and in so doing the sheer magnitude of his achievement also seemingly killed it -- in time for the so called death of the novel worldwide.

Trying out the widest range of models -- Balzak, Dickens, Tolstoy, the historical novel format, the French existentialist novel, the grassroots folk epic -- Mahfouz seemed to exhaust the possibilities of the genre. If not, he at least showed up its aesthetic and (more relevantly for the Arab scene) political limitations. He was criticised for being "petty bourgeois", for standing in the way of social and economic transformation, in effect for importing the one genre that sided with things as they were, not as they should be.

Yet even if a contemporary novelist were to make a point of never reading any Mahfouz, that novelist's work would still be judged both positively and negatively against Mahfouz's corpus. Ironically, of course, of the many fiction writers who began their careers in the late 1980s and early 1990s, Farghali is probably the most like Mahfouz. His comparatively prolific output -- six books of fiction in less than a decade, with the first, Bittijah Al-Maaqi (Towards the irises), appearing in 1997 -- recalls Mahfouz's steady, one might even say plodding, approach to writing. It is driven at least as much by patient daily toil as bouts of inspiration and epiphanies.
"I read Mahfouz for the first time when I was 13 years old. I started with The Cairo Trilogy and decided to finish off his complete works -- a feat I had actually accomplished by the time I was 17. He is probably the only writer whose every work I read, rereading many of his books over and over, especially The Trilogy and The Harafish," Mahfouz's 1977 epic, "and so he occupies a gigantic space in my consciousness. I started writing in his shadow.
I wrote excellent 'Mahfouzian' short stories which I subsequently tore up in order to rid myself of his direct influence and discover my own specific voice, but I was never free of the marks he made on me. He taught me the importance of structure, and I followed in his footsteps as regards the geometry of the text, before I finally rebelled against him to create my own structure."
Even though eschewing politics is typical of his entire generation, Farghali's mode of (not) engaging with society and/or politics, or neutralising the unfolding of history, is less like the so called Nineties Generation's than Mahfouz's. While Zikri, for example, remains painstakingly solipsistic, aggressively rejecting any allusion to society as a whole, and religiously ridding his work of any non-literary purpose, Farghali -- like Mahfouz -- is keen to preserve geographic locations, time frames and character types; he observes society from afar, subtly registering the relevant dynamics, suggesting a world which, though magical, is never unfamiliar.
Farghali concedes that some of Mahfouz's characters -- Amina, the matriarch of The Trilogy, for example -- annoyed and repelled him, "but I do not judge Mahfouz's characters in this text of mine," which includes very frequent extended quotations from the Nobel laureate, "but rather meet them as they are, and conduct dialogues with them", literally pulling them out of a particular moment in a given novel. "
"I liked the idea of creating an illusory yet extremely realistic world," Farghali explains, "like the one he created in The Harafish. None of the things the things this novel talks about -- like the strongmen with their clubs, or the tekkes -- ever really existed, but he records them as if they were reality. He creates an alternative reality, an artistic and philosophical reality." This, then, is what Egypt's latest offspring of Cervantes can take from Mahfouz:
"I learned to conduct my love life from his characters; the heroes of his novels inspired me intellectually and in terms of my actual behaviour; and he inspired me in terms of writing, his complete independence from cliques and political parties and cultural mafias -- and ideology," the greatest anathema of the Nineties. "He taught me that you are not a writer unless you have to be independent even of the cliches of your own generation." Farghali certainly is. "Mahfouz had charisma, he had presence, he is the only Arab writer who had a novelistic project in any sustained sense. He was well known for his manner of talking, his jokes and disciples, and his films, long before Nobel was ever on the horizon."
***
Imagine, then, what it would mean for such a novelist -- any Arab novelist, really, but especially such a one as Farghali -- if the world were to wake up one morning to discover that every last copy of every last book by Mahfouz in the Arabic original has simply, without a trace, vanished off the face of the earth. Mahfouz's books disappear not only from bookshops and libraries but from private collections, from bookshelves and bedside tables, from every place where they could conceivably be found.
This, basically, is the premise of Abnaa Al-Gabalwi, which nonetheless incorporates numerous other frameworks, notably the appearance of flesh-and-blood reincarnations of some of Mahfouz's characters both in and outside their original settings, the government's efforts to do what it can to have the books back -- some people apparently know the texts by heart, others attempt to reconstruct them with the help of their knowledge of Mahfouz's work from translations -- and the very complex, gradual intermingling of the fictional world and the world to which it supposedly refers. There are not only characters but narrators, character narrators, doubles, triples, even quadruples. Subplots take on lives of their own, and there are multiple scenarios with a range of possible resolutions.
The fictional acrobatics are of such intensity they frequently if no doubt intentionally disrupt what suspension of disbelief the reader has managed to maintain, but they also undermine the book's popular appeal and seem to have no purpose beyond themselves.
"The fictional acrobatics are an end in themselves" Farghali insists, "not a means to something else. You could put it down to taste. I like complexity in a novel. More than one time frame, more than one character, more than one voice. My wish is to alter my voice till it becomes a multiplicity of voices in the manner of the Portuguese writer Fernando PesÓo, although of course there is a huge difference and I am still a student compared to him. I managed that somewhat in previous works, I created parallel time frames, but in general I totally incline towards this kind of layering. I like The God of Small Things, for example, for that same reason."
As in Italo Calvino's If on a winter night's a traveller (which is made up of novel openings), by the time you have turned the last page, you have read not a novel as such but a range of possible novels. More than any one character or story-line, you retain a sense of what an Arabic novel is, or what Farghali thinks it might be. More importantly, perhaps, you appreciate the disappearance of Mahfouz's work as a metaphor for the general social-political malaise the book selectively and somewhat fitfully depicts: corruption, purposelessness, physical and mental repression, and the existential loss not only of the private but of the public self all come to mind. Mahfouz's books stand in for Egypt and all it means.
"I think I am simultaneously preoccupied, as usual, with two projects," Farghali outlines his usual plan. "I am not sure which of them my demons will take me to. I haven't been able to gauge the response to Abnaa Al-Gabalwi yet, but I certainly feel that, in writing it, I have realised one of my greatest ambitions."