Wednesday, August 24, 2016

لماذا لم يتضامن الغرب مع إسلام البحيري وفاطمة ناعوت أيضا؟



لماذا لم يتضامن الغرب مع  إسلام البحيري وفاطمة ناعوت 

أيضا؟


نتحمل كمثقفين مسؤولية المطالبة بالحريات.. وإطلاق سجناء 

الرأي


إبراهيم فرغلي


إسلام البحيري 

فاطمة ناعوت

أرسل سلمان رشدي رسالة إلى أحمد ناجي في سجنه يتضامن معه، رائع! ودعا اكثر من 120 كاتبا وصحافيا ومؤلفا وفنانا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى الإفراج عن الكاتب أحمد ناجي الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة عامين بتهمة "خدش الحياء العام" في روايته استخدام الحياة، وفق منظمة القلم الدولي. ومن بين الموقعين فيليب روث، وتشيما ماندا اديشي وروبرت كارو، والسينمائي وودي آلان، وغيرهم. وقامت المنظمة بتكريم ناجي، خلال عشائها السنوي في 16 مايو  الماضي، بمنحه جائزة "حرية الكتابة".
وأقيمت فعاليات قراءة في إحدى المدن الأمريكية لقراءة فصول من رواية ناجي الممنوعة، تأكيدا على أن قراءتها لا تخدش حياء أحد. 
كما شارك ناجي، مشاركة رمزية، أي من دون أن يحضر وبقي مقعده خاليا، بشهادة، على هامش ملتقى للرواية العربية أقيم في بيروت قبل عدة أشهر. ومن جهتها أرسلت الكاتبة البريطانية زادي سميث، عبر منظمة القلم أيضا، رسالة تضامن إلى ناجي في سجنه، وأكدت له أن روايته تبدو من الروايات التي تفضل قراءتها.
والحقيقة أن سجن أحمد ناجي، أو أي كاتب أو مفكر آخر وبينهم إسلام بحيري وفاطمة ناعوت أو غيرهم، يعد سبة في جبين أي نظام، بل، وأساسا، سُبّة في جبين المثقفين الذين يفتقدون القدرة على التأثير والضغط على النظام لإيقاف مثل هذه الأحكام التي لا تليق ببلد ملأ الدنيا فنا وفكرا وعلما منذ مطلع القرن الماضي.
لكن لماذا لم يخرج أحمد ناجي من السجن رغم كل هذه الضغوط الدولية إلى الآن؟ ولماذا لم نسمع عن أي جبهة ثقافية شعبية تقف للمطالبة بخروج أحمد ناجي من السجن؟
أنا أعتقد أن سجن أحمد ناجي ليس سببه ما كتبه على أي نحو، فكتابه، سبب الأزمة، وحتى هذه اللحظة لم يتعرض للمنع، لا قبل القضية ولا بعد الحكم. لكنه سُجن بسبب تراخي الأدباء والمثقفين في الدفاع عن حقوقهم في حرية التعبير بتتبع كافة القوانين التي تعرقل وتحد من حرية التعبير والنشر.

احمد ناجي 

سجن أحمد ناجي لأن كل من دافعوا عنه تناولوا القضية باعتبارها فقط، قضية حرية تعبير، واستخدمت كافة الدفوع التي تردد في كل قضية لحرية التعبير، وبينها شهادات نقدية وجريئة لعدد من كبار الكتاب في مصر، وذكروا أمثلة على كل ما قد يعتبره القضاء، أو المواطن التقليدي المحافظ، خادشا للحياء،  بوصفه مادة عادية مثلت جزءا من تراثنا العربي في الأدب وفي المدونات التراثية المختلفة.
كما قام مئات من الكتاب والمثقفين والنشطاء برفع فصل الرواية سبب الأزمة على الإنترنت، لإتاحة قراءته على أكبر نطاق ممكن، تأكيدا لمبادئ حرية التعبير، وقُرأ النص جماعيا لإثبات ذلك. بل إن بعض الكتاب من جيل ناجي يرون أن مواجهة سجن ناجي يجب أن تكون بالمزيد من محاولات نشر الكُتّاب في كتاباتهم للألفاظ التي خدشت حياء بعض القراء. بينما القضية، أو جانب كبير منها قضية  نشر باعتبار الحكم مبنيا على النشر في صحيفة حكومية، وليست قضية حرية تعبير فقط. خصوصا أن أحمد ناجي يعمل في نفس الجريدة التي نشرت النص ويفترض القانون معرفته بقوانين النشر، وهو ما لم يتناوله أحد حتى اللحظة.
أما وعد نقيب الصحفيين في شهر فبراير الماضي من أن النقابة تبذل جهدا لإطلاق سراحه بعد إجراء التغييرات التشريعية اللازمة لكي يخرج من السجن، فقد تبخر في الهواء، ولم نعد نسمع صوتا للنقابة حتى اللحظة.
لم يطلق سراح ناجي أيضا في تقديري لأن قضيته تداولت كقضية شخصية تخص فريقا من الكتاب والأصدقاء، وليست قضية عامة تخص مجتمع، قضية دفاع عن حرية التعبير لناجي ولإسلام البحيري وفاطمة ناعوت وأي سجين رأي. حرية تعبير مجتمع كامل وليست قضية شخصية.
الانتقائية التي مورس بها التضامن مع ناجي من دون غيره أصبح مثيرا للتساؤل والارتياب في الحقيقة. فلماذا يدافع وودي آلان أو يتضامن مع ناجي ولا يتضامن مع إسلام البحيري؟ أو فاطمة ناعوت؟  ولماذا لم يتم تعريف الكتاب الغربيين بحقيقة القضية كون لها جزء آخر يتعلق بالنشر في صحيفة سيارة ، وليس مجرد حرية تعبير؟ ولماذا لم تُقرأ في ندوات القراءة التي دعت إليها منظمة القلم الدولي فقرات مما قاله إسلام بحيري بشكل جماعي أيضا، خصوصا وأن قضيته بالغة الخطورة والأهمية في مجتمعات يتكالب عليها الفكر الظلامي من كل صوب وحدب. 
الكاتبة النيجيرية تشيبا ماندا أديتشي
فيليب روث 

لماذا لم ترسل زادي سميث رسالة تضامن أخرى للسجين الجالس قريبا من زنزانة أحمد ناجي، وهو أيضا يحتاج لما ومن يرفع من روحه المعنوية في السجن؟
وهل إذا تمكنت هذه الأصوات الغربية، من الضغط على النظام لإطلاق سراح أحمد ناجي سيظل إسلام البحيري سجينا لأنه لم يجد في الغرب أصواتا تدافع عنه؟
كتبتُ في بداية هذه الأزمة أننا جميعا مسؤولون عن سجن أحمد ناجي، لأننا كمثقفين لم نقم بالدور المطلوب الذي يقضي بتكوين لجنة من المثقفين والمفكرين ورجال القضاء المستنيرين، ونواب مجلس الشعب، ومنظمات حقوق الإنسان، لاقتراح ورفع مشروع قانون لمجلس الشعب يقترح إلغاء كافة العقوبات السلبية المقررة ضد الكتاب والصحفيين في مصر، وتنقية المنظومة التشريعية من كافة التهم ذات الدلالات الملتبسة وذات الطابع الأخلاقي أو التكفيري من القوانين المصرية مثل ازدراء الأديان وخدش الحياء وغير ذلك، تأكيدا لمبدأ حرية التعبير كحق منصوص عليه في الدستور، وترسيخا لفكرة الحوار في المجتمع، باعتبار كل فكر أيا كان ومهما اختلفنا عليه يمكن نقاشه ورفضه بالفكر والقرائن لا بالقيود والسجن. والأمر نفسه يمكن أن يتم، بالمناسبة، لإلغاء تشريع قانون التظاهر مثلا، إن صلحت النوايا، وامتلك الجميع الإحساس الحقيقي بالمسؤولية، التي تتضمن عملا شاقا لتحقيق مثل هذه الأمنيات، لا مجرد التباكي على حرية التعبير، والحريات، والبكاء على مصير ناجي. 
 المسألة الثانية في أزمة سجن أحمد ناجي هي حالة الاستقطاب الحادثة الآن في المجتمع بين فريقين أحدهما رافض، رفضا تاما وعلى طول الخط، للسلطة والنظام، وفريق متضامن مع أولوية الحفاظ على الدولة من مصير دول قريبة منا، وفريق مع السلطة بشكل تام وعلى طول الخط ايضا. وهو أمر، مثل كل ما يحدث في مصر الآن يؤدي لتشتيت جهود المثقفين في أي قضية. حتى في قضية مثل حرية التعبير والنشر التي ينبغي أن تكون هدفا لتوحد جهود الجميع على حساب تحيزاتهم السياسية أيا كانت. لأن الضغط الحقيقي من أجل تفعيل قوانين حرية الرأي والتعبير لا يمكن، وربما لا يصح أن يكون إلا من خلال المثقفين المصريين.

شخصيا وفي ظل التطورات الأخيرة في العالم وفي الغرب وفي ظل صراع الحزبين الأمريكيين على مرشحين لا يمكن أن يوصف أي منهما إلا بأسوأ ما يمكن أن ينتجه مجتمع ديمقراطي، وفي ظل تدمير النظام النيوليبرالي لاقتصادات العالم وتكديس الثروات بين يدي قلة من المليارديرات على حساب سكان العالم الغارقين في الديون والفقر، لا يمكنني أن أثق كثيرا في مثل هذا التضامن الغربي أو جدواه، بل لعلني أناشد  النخب الغربية لتنتبه أولا إلى مآسي حكامها المنتخبين ديمقراطيا، بأصوات تلك النخب، تجاه عالمنا العربي أولا. مع خالص تقديرنا طبعا للفتتهم الإنسانية تجاه أحد مسجوني الرأي لدينا.
 حرياتنا لن تتحق إلا بمبادراتنا، وعملنا، وقدراتنا، وغير ذلك أوهام لن تؤدي بنا إلا إلى المزيد من فقدان مساحات حرية التعبير.


نادي القلم الدولي

جمعية دولية للكتاب أسستها كاترين ايمي داوسون سكوت في لندن في سنة 1921، لتعزيز العلاقات والتعاون الفكري بين الكتاب في جميع أنحاء العالم. والدفاع عن حرية الكلمة وقضايا الرأي في العالم.


النيوليبرالية : تعبير اقتصادي يرمز إلى السياسات الرأسمالية المطلقة وتأييد اقتصاد عدم التدخل وتقليص القطاع العام إلى أدنى حد والسماح بأقصى حرية في السوق. ويشير لتبني سياسة اقتصادية تقلل من دور الدولة وتزيد من دور القطاع الخاص.

نشر الموضوع في صحيفة "المقال" العدد 563 24 أغسطس 2016

No comments:

Post a Comment