Wednesday, August 24, 2016

لماذا لم يتضامن الغرب مع إسلام البحيري وفاطمة ناعوت أيضا؟



لماذا لم يتضامن الغرب مع  إسلام البحيري وفاطمة ناعوت 

أيضا؟


نتحمل كمثقفين مسؤولية المطالبة بالحريات.. وإطلاق سجناء 

الرأي


إبراهيم فرغلي


إسلام البحيري 

فاطمة ناعوت

أرسل سلمان رشدي رسالة إلى أحمد ناجي في سجنه يتضامن معه، رائع! ودعا اكثر من 120 كاتبا وصحافيا ومؤلفا وفنانا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى الإفراج عن الكاتب أحمد ناجي الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة عامين بتهمة "خدش الحياء العام" في روايته استخدام الحياة، وفق منظمة القلم الدولي. ومن بين الموقعين فيليب روث، وتشيما ماندا اديشي وروبرت كارو، والسينمائي وودي آلان، وغيرهم. وقامت المنظمة بتكريم ناجي، خلال عشائها السنوي في 16 مايو  الماضي، بمنحه جائزة "حرية الكتابة".
وأقيمت فعاليات قراءة في إحدى المدن الأمريكية لقراءة فصول من رواية ناجي الممنوعة، تأكيدا على أن قراءتها لا تخدش حياء أحد. 
كما شارك ناجي، مشاركة رمزية، أي من دون أن يحضر وبقي مقعده خاليا، بشهادة، على هامش ملتقى للرواية العربية أقيم في بيروت قبل عدة أشهر. ومن جهتها أرسلت الكاتبة البريطانية زادي سميث، عبر منظمة القلم أيضا، رسالة تضامن إلى ناجي في سجنه، وأكدت له أن روايته تبدو من الروايات التي تفضل قراءتها.
والحقيقة أن سجن أحمد ناجي، أو أي كاتب أو مفكر آخر وبينهم إسلام بحيري وفاطمة ناعوت أو غيرهم، يعد سبة في جبين أي نظام، بل، وأساسا، سُبّة في جبين المثقفين الذين يفتقدون القدرة على التأثير والضغط على النظام لإيقاف مثل هذه الأحكام التي لا تليق ببلد ملأ الدنيا فنا وفكرا وعلما منذ مطلع القرن الماضي.
لكن لماذا لم يخرج أحمد ناجي من السجن رغم كل هذه الضغوط الدولية إلى الآن؟ ولماذا لم نسمع عن أي جبهة ثقافية شعبية تقف للمطالبة بخروج أحمد ناجي من السجن؟
أنا أعتقد أن سجن أحمد ناجي ليس سببه ما كتبه على أي نحو، فكتابه، سبب الأزمة، وحتى هذه اللحظة لم يتعرض للمنع، لا قبل القضية ولا بعد الحكم. لكنه سُجن بسبب تراخي الأدباء والمثقفين في الدفاع عن حقوقهم في حرية التعبير بتتبع كافة القوانين التي تعرقل وتحد من حرية التعبير والنشر.

احمد ناجي 

سجن أحمد ناجي لأن كل من دافعوا عنه تناولوا القضية باعتبارها فقط، قضية حرية تعبير، واستخدمت كافة الدفوع التي تردد في كل قضية لحرية التعبير، وبينها شهادات نقدية وجريئة لعدد من كبار الكتاب في مصر، وذكروا أمثلة على كل ما قد يعتبره القضاء، أو المواطن التقليدي المحافظ، خادشا للحياء،  بوصفه مادة عادية مثلت جزءا من تراثنا العربي في الأدب وفي المدونات التراثية المختلفة.
كما قام مئات من الكتاب والمثقفين والنشطاء برفع فصل الرواية سبب الأزمة على الإنترنت، لإتاحة قراءته على أكبر نطاق ممكن، تأكيدا لمبادئ حرية التعبير، وقُرأ النص جماعيا لإثبات ذلك. بل إن بعض الكتاب من جيل ناجي يرون أن مواجهة سجن ناجي يجب أن تكون بالمزيد من محاولات نشر الكُتّاب في كتاباتهم للألفاظ التي خدشت حياء بعض القراء. بينما القضية، أو جانب كبير منها قضية  نشر باعتبار الحكم مبنيا على النشر في صحيفة حكومية، وليست قضية حرية تعبير فقط. خصوصا أن أحمد ناجي يعمل في نفس الجريدة التي نشرت النص ويفترض القانون معرفته بقوانين النشر، وهو ما لم يتناوله أحد حتى اللحظة.
أما وعد نقيب الصحفيين في شهر فبراير الماضي من أن النقابة تبذل جهدا لإطلاق سراحه بعد إجراء التغييرات التشريعية اللازمة لكي يخرج من السجن، فقد تبخر في الهواء، ولم نعد نسمع صوتا للنقابة حتى اللحظة.
لم يطلق سراح ناجي أيضا في تقديري لأن قضيته تداولت كقضية شخصية تخص فريقا من الكتاب والأصدقاء، وليست قضية عامة تخص مجتمع، قضية دفاع عن حرية التعبير لناجي ولإسلام البحيري وفاطمة ناعوت وأي سجين رأي. حرية تعبير مجتمع كامل وليست قضية شخصية.
الانتقائية التي مورس بها التضامن مع ناجي من دون غيره أصبح مثيرا للتساؤل والارتياب في الحقيقة. فلماذا يدافع وودي آلان أو يتضامن مع ناجي ولا يتضامن مع إسلام البحيري؟ أو فاطمة ناعوت؟  ولماذا لم يتم تعريف الكتاب الغربيين بحقيقة القضية كون لها جزء آخر يتعلق بالنشر في صحيفة سيارة ، وليس مجرد حرية تعبير؟ ولماذا لم تُقرأ في ندوات القراءة التي دعت إليها منظمة القلم الدولي فقرات مما قاله إسلام بحيري بشكل جماعي أيضا، خصوصا وأن قضيته بالغة الخطورة والأهمية في مجتمعات يتكالب عليها الفكر الظلامي من كل صوب وحدب. 
الكاتبة النيجيرية تشيبا ماندا أديتشي
فيليب روث 

لماذا لم ترسل زادي سميث رسالة تضامن أخرى للسجين الجالس قريبا من زنزانة أحمد ناجي، وهو أيضا يحتاج لما ومن يرفع من روحه المعنوية في السجن؟
وهل إذا تمكنت هذه الأصوات الغربية، من الضغط على النظام لإطلاق سراح أحمد ناجي سيظل إسلام البحيري سجينا لأنه لم يجد في الغرب أصواتا تدافع عنه؟
كتبتُ في بداية هذه الأزمة أننا جميعا مسؤولون عن سجن أحمد ناجي، لأننا كمثقفين لم نقم بالدور المطلوب الذي يقضي بتكوين لجنة من المثقفين والمفكرين ورجال القضاء المستنيرين، ونواب مجلس الشعب، ومنظمات حقوق الإنسان، لاقتراح ورفع مشروع قانون لمجلس الشعب يقترح إلغاء كافة العقوبات السلبية المقررة ضد الكتاب والصحفيين في مصر، وتنقية المنظومة التشريعية من كافة التهم ذات الدلالات الملتبسة وذات الطابع الأخلاقي أو التكفيري من القوانين المصرية مثل ازدراء الأديان وخدش الحياء وغير ذلك، تأكيدا لمبدأ حرية التعبير كحق منصوص عليه في الدستور، وترسيخا لفكرة الحوار في المجتمع، باعتبار كل فكر أيا كان ومهما اختلفنا عليه يمكن نقاشه ورفضه بالفكر والقرائن لا بالقيود والسجن. والأمر نفسه يمكن أن يتم، بالمناسبة، لإلغاء تشريع قانون التظاهر مثلا، إن صلحت النوايا، وامتلك الجميع الإحساس الحقيقي بالمسؤولية، التي تتضمن عملا شاقا لتحقيق مثل هذه الأمنيات، لا مجرد التباكي على حرية التعبير، والحريات، والبكاء على مصير ناجي. 
 المسألة الثانية في أزمة سجن أحمد ناجي هي حالة الاستقطاب الحادثة الآن في المجتمع بين فريقين أحدهما رافض، رفضا تاما وعلى طول الخط، للسلطة والنظام، وفريق متضامن مع أولوية الحفاظ على الدولة من مصير دول قريبة منا، وفريق مع السلطة بشكل تام وعلى طول الخط ايضا. وهو أمر، مثل كل ما يحدث في مصر الآن يؤدي لتشتيت جهود المثقفين في أي قضية. حتى في قضية مثل حرية التعبير والنشر التي ينبغي أن تكون هدفا لتوحد جهود الجميع على حساب تحيزاتهم السياسية أيا كانت. لأن الضغط الحقيقي من أجل تفعيل قوانين حرية الرأي والتعبير لا يمكن، وربما لا يصح أن يكون إلا من خلال المثقفين المصريين.

شخصيا وفي ظل التطورات الأخيرة في العالم وفي الغرب وفي ظل صراع الحزبين الأمريكيين على مرشحين لا يمكن أن يوصف أي منهما إلا بأسوأ ما يمكن أن ينتجه مجتمع ديمقراطي، وفي ظل تدمير النظام النيوليبرالي لاقتصادات العالم وتكديس الثروات بين يدي قلة من المليارديرات على حساب سكان العالم الغارقين في الديون والفقر، لا يمكنني أن أثق كثيرا في مثل هذا التضامن الغربي أو جدواه، بل لعلني أناشد  النخب الغربية لتنتبه أولا إلى مآسي حكامها المنتخبين ديمقراطيا، بأصوات تلك النخب، تجاه عالمنا العربي أولا. مع خالص تقديرنا طبعا للفتتهم الإنسانية تجاه أحد مسجوني الرأي لدينا.
 حرياتنا لن تتحق إلا بمبادراتنا، وعملنا، وقدراتنا، وغير ذلك أوهام لن تؤدي بنا إلا إلى المزيد من فقدان مساحات حرية التعبير.


نادي القلم الدولي

جمعية دولية للكتاب أسستها كاترين ايمي داوسون سكوت في لندن في سنة 1921، لتعزيز العلاقات والتعاون الفكري بين الكتاب في جميع أنحاء العالم. والدفاع عن حرية الكلمة وقضايا الرأي في العالم.


النيوليبرالية : تعبير اقتصادي يرمز إلى السياسات الرأسمالية المطلقة وتأييد اقتصاد عدم التدخل وتقليص القطاع العام إلى أدنى حد والسماح بأقصى حرية في السوق. ويشير لتبني سياسة اقتصادية تقلل من دور الدولة وتزيد من دور القطاع الخاص.

نشر الموضوع في صحيفة "المقال" العدد 563 24 أغسطس 2016

Monday, August 22, 2016

جوجل إيرث وشبحية الكتابة


جوجل إيرث وشبحية الكتابة
في رواية:
"معبد انامل الحرير
لـ"إبراهيم فرغلي
             د. شاكر عبد الحميد




ما الذي لا يستطيع جول ان يرصده؟

ترصد هذه الرواية عوالم شتى متداخلة متفاعلة في شبكات أشبه بالمتاهة الطولية والعرضية، الرأسية والأفقية، بداية من الإشارة إلى جوجل إيرث الذي يرصد كل شيء ويصوره، لكنه لا يرى ما يحدث في الأنفاق أو في الأعماق. فماذا يحدث في الأنفاق؟ وماذا يحدث في الأعماق؟ ما الذي يحدث ولا يراه جوجل إيرث؟ تحدث أشياء كثيرة تحاول هذه الرواية أن تكتشفها وترصدها وتناقشها وتطرح تساؤلاتها حولها، إنها رواية أشبه بمتاهة، ومتاهة أشبه برواية هكذا تواجهنا بداخلها بمستويات شتى بعضها يتعلق بعملية الكتابة ذاتها، بآلياتها، بالفعل الانعكاسي الخاص بها، الكتابة عندما تتأمل ذاتها، عندما تكون ذاتًا، وموضوعًا، عندما تكون مفعولاً بها وفاعلة، عندما تكون مرويةً ورواية؛ الكتابة عندما ترتبط بأفعال المراقبة والحركة والقول والصمت والفضول والتمرد، وأيضًا الرواية كما تشعر وتتأمل وتعي ذاتها عبر رؤيتها وتأملها لكاتبها واحواله وأفعاله.
هكذا يتحول فعل الكتابة من دور المتلقي السلبي الذي تقع عليه الأحداث أو تسجل إلى عين لا تستطيع عين جوجل إيرث أن ترصده". الكتابة هنا تشعر بكاتبها وتدرك عصف الرياح، وسكونها، وهدير الأمواج، وتحولات الليل والنهار والبشر، تشهد أحداثًا ومعارك وذكريات وقصص عشق وجرائم ، الكتابة هي العالم الذي نظن أحياناً أنه جرم صغير، لكنه عالم إنطوى فيه العالم الأكبر، وفيه تجلى، وتحرك وقام بتشكيل عقل الإنسان وتاريخه ووجوده الحقيقي. هنا نوع من الاحتفاء بعملية الكتابة وبالكتب، هنا تكون الكتابة نوعًا من الشهادة التي تسجل صوت الصامتين وخلجات المبدعين وأنات المهمشين وصرخات الذين تم اقصاؤهم ، هنا الكتابة هامش يتحول إلى متن وفرع يتحول إلى أصل، ورغبة تتحول إلى وجود.

هكذا نتتبع نحن القراء حياة الكتابة هنا من خلال دفتر أو كراسة يكتب صاحبها رشيد الجوهري، عبر سطورها، رواية عن حياته، عن محبته للطيران وأحلامه وولعه بكتب الرحلات، ثم بالرحلات ذاتها، ومثلما يكتب هو روايته، فإن روايته تكتبه أيضًا وترصد ما لم يستطع أن يرصده. هكذا يحدثنا عن ولعه بالطيران، والطيران يرتبط بالطموح ويرتبط أيضًا بالجنس والحرية، وما كتبه باشلار في هذا الشأن عن علم نفس الصعود" وجماليات الأجنحة والصعود والهبوط والرحلات المتخيلة والأساطير والحركة والسكون، ليس عنا ببعيد.
لرشيد أيضًا علاقاته بعالم الكتب والموسوعات وتجارتها، وكذلك معرفته بالتحولات التي طرأت على عمليات تلقي بعض الناس للكتب والموضوعات والتي تحولت إلى "مظهر من مظاهر شهوة الاستعراض ؛ استعراض أي شيء، بما في ذلك المجلدات الضخمة المتراصة في مكتبات خشبية أنيقة تتوسط غرف الصالون والمعيشة، بحيث يوفرون لعيون ضيوفهم مسرحًا وهميًا يمنحهم اعتراف الانضمام إلى النخبة".
تسرد هذه الرواية، من خلال رواية، ومن خلال رواية، الكثير والكثير عن آليات الإبداع، وعن اغتراب الكاتب ، وأسرار الكتابة وأنواع السرد والروايات عن كيف تتحول عملية الكتابة ذاتها من خاضع إلى مسيطر وكيف تتمرد عليه وترفض تنفيذ رغباته، عن كيف يصبح هو خاضعًا لنزواتها ورغباتها مغتربا عنها، وبداخلها، بدلا من أن يكون مسيطرًا عليها .
هكذا تقرر الرواية الت كتبها رشيد الجوهري أن تكتب هي روايته، أو روايتها الخاصة أيضًا، مثلما قرر الكاتب إبراهيم فرغلي أن يكتب أيضًا رواية ثالثة تجمع بين هاتين الروايتين، رواية الكاتب المكتوب عنه رشيد الجوهري، ورواية رشيد التي قررت أن تكتب روايتها أيضًا.
هل كان اسم رشيد الجوهري مرتبطًا في ذهن مؤلف هذه الرواية "معبد انامل الحرير" بنوع من الرؤية التي فحواها أن الكتابة الحقيقية أشبه بالطلسم ، اشبه بحجر رشيد الذي احتاج من شامبليون سنوات وسنوات حتى يكشف أسراره او جواهره وكنوزه؟ هل الكتاب ليست مجرد شكل وتقنيات ومظاهر سطح وبريق وتلاعب بالمدركات؟ هل توجد الجواهر الحقيقية إلا في تلك الأعماق التي لا يراها جوجل إيرث وما الأعماق التي كانت موجودة في هذه الرواية التي تروى من مناظير شتى؟
في الرواية الأصل .. ما هي؟ لست أدري أين توجد الرواية الأصلية أوالحقيقية هنا؟ فالرواية الني نقرأها ليست سوى مجمع روايات، وجهات نظر مختلفة حول شخصيات وأحداث ورؤى للعالم، أجزاء من أحلام وأفلام وقراءات واستشهادات، وأحلام داخل أحلام، بعضها أحلام يقظة، وبعضها أحلام نوم، وبعضها الثالث أشبه بهلاوس وتوهمات وكوابيس، رحلات داخل رحلات واحداث داخل أحداث، ورغبة قارة في الوصول إلى حرية ما، وسكينة ما، وسعادة ما، وفهم ما.
يكتب رشيد الجوهري "عن بطلة (كيان) وعن "مدينة الظلام ومدينة الأنفاق ومدينة النساخين، مدينة الظلام اتي غرقت في التطرف والجمود العقائدي والتصلب الفكري، غاب عنها ضوء العقل ونور الكتب والمعرفة، أصبح أهلها خاضعين لسلطة تحكمهم بالعنف والتسلط والمصادرة لكل فكرة ترى أنها قد تضيء العقل ولكل صورة ترى أنها قد تستثير الحواس وتوقظها، حكومة من الرقباء والمراقبين، الذي يصادرون كل شيء قد يرتبط بالفن أو البهجة أو الإبداع والخيال أو التفكير، يطاردون الكتب والكتابة، بل ومحلات الملابس والعاديات لو عرضت صورة أو مانيكان خشبي أو حجري، قد تتبدى منه أيه اشارة أو تلميحات يظنوها تخاطب الغرائز أو الرغبات .
هكذا يكتب رشيد الجوهري عن "كيان" بطل روايته الذي ظل يبحث لنفسه عن "كيان"، مثلما كان هو ذاته يبحث لنفسه، عن كيان أو هوية، يكتب عن مدينة الظلام، وعن "المتمكتمين" والمراقبين للفكر والفن والسلوك، عن حياة في مدينة أشبه بموطن الرهبان أو كنيستهم التي كتب عنها "امبراتو إيكو" روايته المعروفة "إسم الوردة" والتي تحكي عن بحث محموم عن كتاب مسموح "يقال إن له قوة ألف عقرب" "وهذا الكتاب هو الجزء الثاني من كتاب أرسطو عن الشعر، وهو الجزء الذي خصصه للحديث عن الكوميديا والضحك، وعنوانه "رسالة كوزيليانوس" وفي رواية "إيكو" جو غامض مغلف بضباب السرية والتكتم والغموض والألغاز، كما هو في رواية "فرغلي" هذه.
في رواية إيكو جرائم يروح ضحيتها كل من حاول كشف سر هذا الكتاب المسموم أو الوصول إليه يعرفها كل من قرأ هذه الرواية أو شاهد الفيلم المستوحى منها والذي قام ببطولته شون كونري، ومثلما ثمة خوف من هذا الكتاب والمسموم، ومن الضحك فثمة خوف من الكتب والصور والفن والإبداع عامة فر رواية فرغلي، وأيضًا ثمة نزعة ما لحرق الكتب وتحطيم التماثيل واللوحات لدى طائفة "المتمكتمين"؛ هؤلاء الذي يرون أيضًا أن الكتب والصور والإبداعات كلها مسمومة ينبغي حرقها والتخلص منها حفاظًا على الخلاق والعقيدة، هي نزعة "ايكونو كلازمية  iconoclasm جديدة تشبه تلك النزعة الخاصة بتحريم التماثيل والصور التي سادت اليهودية بعد نزول موسى من جبل الطور ومعه ألواح شرائعه، وهيمنت على المسيحية أيضًا خلال حكم الإمبراطور ليو الثالث وعبر القرن الثامن الميلادي، وفي صراع على السلطة والمال اتخذ شكل الدفاع عن العقيدة والدين، وهي نزعة استمرت أيضًا قرونًا عديدة من تاريخ الإسلام، وربما حتى بداية القرن العشرين عندما تأسست مدرسة الفنون الجميلة في مصر عام 1908 وظهرت إبداعات العظيمين محمود سعيد ومختار وغيرهما.
تطارد طائفة "المتمكتمين" الصور والكتب والأفلام والأحلام، تطارد رغبات البشر وخيالهم، تحاول ان تجعل كل شيء طي الكتمان، أن يظل موجودًا في الظل والهامش بعيدًا عن مجال الرؤية والإدراك، تحاول أن تقمع الجميع ويريد أتباعها أن يطفئوا نور العقل، بأيديهم، ويغرقوا الناس في الظلام، بتسلطهم، هكذا يهرب منهم من يهرب؛ يهربون إلى المدينة السفلية، مدينة الأنفاق، وهناك يختبر كبير النساخين قدراتهم "على التعرف على المدينة بكل دروبها وعطفاتها، وبينها تلك التي تقود إلى أماكن التجمع الكبير للناسخين".

تبدو مدينة النساخين هذه، في الرواية، أشبه بمتاهة، من يصل إليها قد لا يستطيع العودة منها حيث يبدو مجتمع النساخين هذا أشبه بمجتمع سري يتم فيه تدريب الأفراد، بعد اختبار مهاراتهم على نسخ تلك الكتب التي تم انقاذها وتهريبها من عمليات حرق الكتب وتمزيقها وإبادتها في مدينة الظلام.
بعد اختيارات المهارات تتم عمليات التدريب علة النسخ وفق إجراءات ومستويات وعمليات محددة مقننة، هكذا يبدو مجتمع النساخين هذا أشبه بجمعية سرية ماسونية، جمعته ذات طقوس وتعليمات وتراتبية محددة، على قمة هرمها يوجد كبير النساخين أو "الكاتب الشبح" كما كانوا يطلقون عليه، ولماذا هو كاتب شبح؟ لأنه مثل كل الأشباح موجود وغير موجود، حاضر وغائب، وجوده مشعور به لكنه لا يُرى رأي العين، مهيمن وحاضر في كل كتابه، حالة "بينية" حدية أشبه بعملية تنامص موجودة في كل نسخ. والكتابة في جانب كبير منها، نوع من النسخ والتكرار، نوع من السير على هدى أو منوال، اقتداء ومحاكاة شبحية مرآوية imitation  أو شبحية تنافسية emulation  ثم هي أيضًا نوع من الإضافة والإبداع.
الكتابة بطبيعتها شبحية الطابع، فيها حضور الكاتب وفيها غيابه، فيها حضور أصداء كتابات الأخرين وفيها الغياب المباشر لهؤلاء الآخرين أيضًا.
في كتابها التفاوض مع الموتى" قالت" مرجريت أتوود" إن كل أنواع السرد، بل ربما كل أنواع الكتابة كلها، يدفعها نوع من القلق أو الخوف الخفي، ولع ما بطبيعة الموت، رغبة ما في القيام برحلة نحو العالم السفلي، من أجل الإحضار لشيء ما او شخص ما من بين عالم الأموات"، هكذا  تكون العلاقة بين الكتابة والموت كامنة في تلك الرغبة، في الأحياء والإبقاء حيًا لتلك العماق الخاصة بالنسيان، من أجل استحضارها ووضعها في داخل العالم الخاص بالحاضر، هكذا تكون الكتابة ذات طبيعة شبحية أو طيفية بالقدر الذي يستطيع عنده وفقًا لما قالته أتوود أيضًا أن تجعل الأموات أحياء مرة أخرى.
ما الذي كان النساخون يحاولون القيام به؟ هل كان مجرد الحفاظ على ما تحويه تلك الكتب والتذكر له كي يقاوم النسيان؟ أم محاولة حماية أهم منجز للعقل البشري وجوهر وجود الإنسان، الكتاب، الحياة الأخرى والنور الحقيقي الذي يواجه أشكال الظلام؟ كل أنواع السرد ذات طبيعة شبحية كما قال جوليان وولفريز، والطبيعة الشبحية الموجودة في هذه الرواية على أنحاء شتى، ولا تتمثل الطبيعة الشبحية الموجودة هنا فقط في محاولات هؤلاء النساخين أحياء، بل أيضًا في تلك الكتب التي أوشكت على الموت أو الفناء من خلال النسخ المتكرر لها في نوع من المقاومة للزمن يشبه الحاح الذاكرة عند سلفادور دالي وحيث الزمن سائل وساعاته ولا تتمثل كذلك في حضور عملية الكتابة ذاتها من خلال تلك الرواية التي تروى روايتها والتي نظن أنها صامتة ميتة غائبةـ، وحديثها ككائن حي متكلم حاضر، كما سبق وأن أشرنا ولا في غياب رشيد الجوهري ثم حضوره، وإنكاره أيضًا لوجوده السابق والذي ترسخ عبر الرواية، ولا حتى في سفينة الأشباح التي يتم ختام هذه الرواية بها، وهنا رشيد شبحي الطابع حاضر وغائب، روايته شبحية الطابع  غائبة وحاضرة وكتب شبحية الطابع، غائبة وحاضرة بالنسخ، البشر غائبون وحاضرون في كهوف النسخ والتذكر ومكتباته كتاب الروايات والأدب والأفلام والأعمال الفنية عامة شبحيو الطابع حاضرون بأعمالهم، غائبون غالبًا، بأجسادهم.
هاجمت مدينة الظلام مدينة النساخين بعد أن حاول بعض أفرادها الصعود إلى أعلى، ثم عرض بعض الكتابات المنسوخة على أجساد مقتنيات عاريات، هكذا ظهرت الكتب على هيئة صور تم عرضها من خلال وسيط يحاول المتكتمون دومًا أن يخفوه وأن يقمعوه، جسد المرأة، والكتابة، أو الكتابة عن جسد المرأة، هكذا يتم عمليات القمع للجسد عمومًا، جسد المرأة من خلال اخفائه وجسد الرجل من خلال سجنه أو تعذيبه أو قتله، هرب النساخون بعد هجوم المتكتمين عليهم وعاشوا زمنًا في "سفينة أشباح"، سفينة تشبه سفن الحمقى أو المجانين التي رسمها الهولندي جيرونيم بوش  خلال القرن وكتب عنها فوكو أيضًا في "تاريخ الجنون"
تحمل السفن الناس ورغباتهم عبر البحار، وعبر الأرض، وهكذا فإنها تكون ذات طبيعة شبحية مزدوجة أيضًا مثل طبيعة الكتابة التي تبدو ثابتة ومتحركة، خلال الآن نفسه، تقف على أرض الواقع وتخلق في عالم الخيال، خلال الآن نفسه، والسفينة كالكتابة، نوع من الحماية والمهد والرحم، مبدأ أنثوي للتحولات والمغامرة والقدر المجهول، قد نعرف متى تبدأ الكتابة، لكننا لا نعرف متى ستنتهي، مثلما يكون هنا سطح بها للكتابة، كلمات تبدو ظاهرة على سطح الورق، فإن الجانب الكثر اهمية فيها هي تلك الصور والرموز والدلالات، للسفينة بدايات تحركها لكننا لا نعرف هل ستصل إلى غايتها أو هدفها أم انها ستسقط بحمولتها في أعماق البحر.
وللسفينة قبطان، يوجهها على نحو ما، مثلما يوجه الكاتب كتابته، لكن السفينة قد تخضع أيضًا لتأثيرات الرياح والعواصف والأمواج العاتية، فتجعلها تنحرف، أو تنجرف هنا أو هناك، للسفينة سطح واضحة معالمه، لكن أعماقها قد تحوي أيضًا أسرارًا وغوامض وبشرًا هاربين أو ممنوعات، تم تهريبها، او تواريخ من القصص والذكريات
كانت سفينة الأشباح في رواية "معبد أنامل الحرير" تحوي الهاربين من النساخين والذين استمروا بداخلها يواصلون طقوسهم وأنشطتهم ومحاولاتهم لمواجهة مدينة الظلام، ظلوا يواصلون طقوسهم ومهماتهم وحواراتهم كجمع من الإشراقيين الهرامسه المتصوفة العاكفين على الحرف والخط والكتابة، على سطور وأساليب، والأسلوب في العربية هو السطر من التخيل، والكتابة قد تكون نخلة أو شجيرة، لكنها في أحوالها كلها تمتد بجذورها في باطن أرض الوعي واللاوعي التي لا تعرف ابدا ما الذي دفن فيها او ما الذي تحويه.
في هذه الرواية رحلات حقيقية ورحلات متخيلة وتحركات، عبر العالم، وفي فضائه، وتحت أرضه، وبحره ومائه، وأعماق شخصياته وتاريخه وأحلام شخصياته، نوع من الولع بالأسرار، بالتاريخ المصري، والآثار المصرية وتاريخ العالم وعلاقة الشرق بالعرب والذات بالآخر، حالات عشق وغرام وهيام والهام وإحباط وحبوطـ، وتأملات حول الكتابة وعلاقتها بالنسخ وعمليات الولادة وكذلك أمراض الفصام وانقسام الوعي والوجدان والوجود، وفكرة النوع على مستوى السرد والكتابة، وعلى مستوى البشر أيضًا، الذكري والانثوي والخليط، كتب تحرق فوق الأرض من خلال عقليات جامدة، وكتب تكتب لها أكثر من حياة، تنسخ وتتناسخ وتتوالد وتتكر تحت الأرض من خلال عقليات وأيادٍ ومعتقدات،
قد يكون التكرار والاثقال قد لحق الرواية في بعض مواضعها، فصارت مثقلة بالاستطرادات (عن القراصنة مثلاً) والشخصيات والحكايات داخل الحكاية (حكاية الفتاة الاثيوبية ميريها مثلاً) وثمة تساؤلات أيضًا حول دور القارئ، قاسم والكاتب رشيد والعلاقة بينهما والمروي عنه (كيان) والوجود المزدوج للراوي المروي عنه (الرواية التي تروى عن نفسها وعن كاتبها وحياته وأصدقائه وقارئها وتحولاتها وتنقلاتها أي تلك الكراسة أو الدفتر على نحو يذكرنا أو يذكرني أنا وحدي على الأقل بفيلم "الكمان الأحمر" (1998) من بطولة صمويل ل.جاكسون ، إخراج: فرانسوا جيرار) .
وطقوس النسخ وطائفة النساخين على نحو يذكرنا، أو يذكرني أنا وحدي ، ولا أدري لماذا؟ بفيلم "عيون مغلقة على اتساعها" eyes wide shut  (بطولة نيكول كيدمان وتوم كروز وإخراج ستانلي كوبريك 1999).
وفي هذه الرواية، وفي الكثير من أقسامها نوع من الولع حد العشق بالكتب والمكتبات والكتابة، لكن في القسم رقم 40 وصل هذا العشق إلى منتهاه، صارت هناك وحده وجود بين الكاتب والكتاب، نوع من الولع لا نجده إلا في كتابات "إيتاليوكالفينو" عن "المدن اللامرئية" او بورخيس والبرتو مانغويل عن الكتب والمكتبات والقراءة والتأليف، هنا تحولت مكتبة النساخين في هذه الرواية إلى "جزيرة معرفة طافية، متاهة لا بداية لها ولا نهاية وأيضًا إلى "نداهة"، وإلى "متاهة" ، إلى مدينة تحتاج إلى خارطة لنتعرف على دروبها وازقتها، وتميز بين احيائها المختلفة، كذلك تحولت المكتبة او تمثلت له في شكل "جزيرة معزولة" تطفو من دون أن يشعر بها أحد" وكذلك ظهرت المكتبة كطيف يدخلها الآمنون، والفضوليون، فتسبقهم إلى الأبد" مكتبة أشبه بأسطورة، لا عقل "يواجه الخرافة والظلم والظلام والخواء الروحي سواها؛ إنها والمكتبة في الليل "تأوي ساكنيها" من كتب ومخطوطات، "مغوية إياهم بالسكون الذي يغمرهم بالسكينة، أن يتخلوا عن الحذر، فيشرعوا في التحليق، بأجنحة قوامها ما يضمونه على صفحاتهم من قصص وآثار وفكر وعلم، من اقتراحات وتهاويم" والمكتبة عامرة بأشباح مؤلفي الكتب والمخطوطات التي تمتد بها، والأشباح تكون موجودة في حالة كمون هناك بين الصفحات المطوية ، والقراءة تجعل الأموات احياء، تستحضر أشباحهم، أفكارها ورؤاهم فتجعلها حية، هكذا تكون عناوين الكتب أشبه بمجموعة اقنعة موجودة على وجه أشباح تشبه كلها شبح والد هاملت، وكأن ذلك الملك القتيل عندما كان يقول لابنه: تذكرني، كان يقول له: اقرأني، هكذا تكون القراءة نوعًا من التذكر والإحياء للموتى وعلى النحو الذي حددته أتوود وذكرناه سابقًا.
ومثلما كانت سفينة أشباح النساخين الهاربين تظهر ليلاً وتختفي نهارًا، ومثلما كانت تجمع بين جنباتها، على نحو خفي، بين "أصوات تتداعى بلا توقف وحوارات بين أشخاص عن الحياة، وصراخ شبق لامرأة تمارس الجنس. دعابات مازحة بين أشخاص لا يمكن تحديد هويتهم" بين ضحكات وأصوات تقرأ نصوصًا او تلقي شعرًا .. الخ. فكذلك الكتابة عالم يحوي كل شيء ويحوي كل شيء، ولا ينبغي أبدًا أن يمنعه أي "متكتم" او ظلامي

و"معبد أنامل الحرير" ما هو؟ المعبد رمز للعالم الأصغر، لمركز العالم الروحي، للنموذج الأرضي، الروحاني، المقابل للنموذج الأصلي المقدس او السماوي، المعبد مكان سكن المقدس أو إقامته على الأرض، وهكذا تكون الكتابة نوعًا من الروح القدسي الموجود ين الكاتب والقارئ، ومثلما هناك كتابات مقدسة علوية، فهناك أيضًا كتابات روحانية أرضية المعبد مكان، التقاء عوالم الأرض بعوالم وما تحت الأرض بعوالم السماء وأنشطتها ووجودهما، معًا، في حالة توازن او صراع، المعبد موجود رمزيًا قد يكون في الموضع الأعلى فوق الأرض، وقد يمثل الموضع الذي تلتقي فيه الآلهة مع البشر، وهذا معبد أنامل الحرير "وأنامل الحرير" الاسم الذي أطلقه كبير النساخين على تلك المرأة التي تميزت في النسخ والحضور، والأنامل جزء يدل على الكل، فيتيش خاصة باليد والجسد والكتابة، والأصابع لها قوة السحر، وقد تشير إشارات لها مفعول السحر والبهجة والانتصار أو تقوم بالإيذاء والإهانة، عندما تشير الأصابع إلى الفم تعني طلب الصمت أو التفكير أو التحذير، وأصبعان معا قد ينقلان علامة النصر أو الهزيمة، هكذا تتعدد إشارات الأصابع مع تنوع اعدادها، الأصابع تقبض على القلم أو الريشة فتكون الكتابة، أو يكون الرسم، قد تكون الكتابة ناعمة كالحرير، أو خشنة كالصخور، قد تكون عملية الكتابة أشبه بظهور الحرير من داخل شرنقة دودة القز ، أو تكون اشبه بصعود سيزيف إلى قمة جبال الأولب. في الحالتين هناك معبد ما لكتابة ما، غرفة، أو كتب أو مكتبة، مكان ما تستطيع أنامل الحرير أن تنسج فيه ومنه خيوطها الشبحية ، هناك، في معبدها، أو في مدينتها اللامرئية حيث لا يستطيع "جوجل إيرث" مهما حاول، أن يرصدها في عالمها ، ذلك الخفي الأثير.

Thursday, August 4, 2016

اختفاء كتب نجيب محفوظ.. ابتكار لم يسبقني إليه أحد


فرغلي صاحب "أشباح الحواس" و"كهف الفراشات"
 اختفاء كتب نجيب محفوظ.. ابتكار لم يسبقني إليه أحد


"ابتسامات القديسين"، "كهف الفراشات"، "أشباح الحواس"، "مداد الحوار"، "باتجاه المآقي"، "أبناء الجبلاوي"، "شامات الحُسن"، "مصّاصو الحبر", "جنية في قارورة".. علامات بارزة رسمت طريق الكاتب والروائي القدير إبراهيم فرغلي إلى الساحة الثقافية ليقف بثبات على أرض صلبة صنعها بقلمه وفرشها بكلماته حتى توّجت رحلته بترشيح روايته "مصاصو الحبر" للناشئين للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب هذا العام، كما ترشحت روايته «معبد أنامل الحرير» للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، وتمت ترجمة معظم أعماله الى الإنجليزية، ورغم اغترابه لسنوات طويلة فإن نصوصه لا تخلو من طرح قيمة وجوهر الحضارة المصرية واستطاع أن يصنع حالة من الحراك داخل الوسط الثقافي في الفترة الأخيرة. حول أعماله الأدبية وغيرها كان معه هذا الحوار.

حوار: حسنات الحكيم
      
· هذا العام رشحت روايتك "أنامل معبد الحرير" للقائمة الطويلة للبوكر وكذلك "مصاصو الحبر" للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد وقلت بعدها إن الجوائز مهمة لتشجيع الكاتب.. هل من الممكن أن يظل رأيك هكذا لو لم ترشح أعمالك لأى جائزة أم كنت ستصب غضبك على كل الجوائز وتتهم القائمين عليها بالتواطؤ والمجاملة؟

-         أعتقد أن المناخ العام للإعلام العربي والمصري خصوصا يميل للاجتزاء، أي بتر الكلام من سياقه العام. تماما كما فعل البعض حين هاجمت فكرة تقديس نص لكاتب لمجرد أنه مسجون ولم ينتبه الذين هاجموني لعدة مقالات نشرتها في "القاهرة" تضامنا مع الكاتب وحقه الكامل في التعبير. هذه أزمة كبيرة، لأنها تؤدى لابتسار البعض أجزاء من المعنى الكلي. وعودة للجوائز: في الحقيقة حتى لو كنت وصلت للقائمة القصيرة في الجائزتين لما تغير رأيي في الجوائز العربية التي تبدو فيها مظاهر شيوع المجاملات أكثر كثيرا من التحكيم النقدي المبنى على أسس الذائقة النقدية الصارمة. ولكى تكتمل العبارة التي اجتزأتيها من سياقها أرى من الضروري هنا أن أوضح رأيي في الجوائز، حيث قلت: لو كانت دور النشر العربية تلعب دورا احترافيا فى ترويج الكتب وتلميع كتابها وتوزيع كتبهم بشكل جيد لقلت أن الجوائز لا تعنيني ولا تعنى لي شيئا مطلقا، لكن في هذا المناخ المحبط للكاتب قد يكون للجائزة دور في منح الكاتب الإحساس ببعض التقدير وتحقيق بعض الانتشار.

·       تقوم روايتك "أبناء الجبلاوي" 2009 على افتراض اختفاء كتب نجيب محفوظ وظهور شخصياته فى الواقع.. ألا يعد اتكاء الكاتب على خيال كاتب غيره ضعفا ونوعا من الإفلاس؟
-       هذه قراءة مبتسرة أخرى لفكرة الرواية، افتراض اختفاء كتب نجيب محفوظ فى حد ذاته هو ابتكار غير مسبوق، وخيال لم يسبقني إليه أحد، وأزعم أنني كاتب مخلص لفكرة التخييل والخيال الجامح، والطريف أن الافتراض الذى افترضته من محض خيالي في الرواية تحقق في الواقع بشكل ما، خلال فترة اختفت فيها كتب محفوظ بالفعل بسبب تأخر إعادة طباعة أعماله. "أبناء الجبلاوي" نص أقول فيه بأننى ند لجد من أبرز أجدادي في الكتابة، أحاور نصوصه وأعيد قراءتها واكتشافها، وأقدم تجربتي ما بعد الحداثية في حوارها مع نص يدعى الكثير أنه كلاسيكي بينما أرى أنه نص متجاوز لزمنه بسبب رؤاه الفلسفية ودلالاته المتراكمة خلف طبقات النص.

·       صدرت لك رواية "جنية في قارورة" بعد "ابتسامات القديسين" وفيهما تتناول العلاقة بين المسلمين والأقباط.. لو قدر لك أن تعيد كتابتهما الآن هل ستتغير طريقتك ونظرتك للأمور في ظل الفتنة التي يحاول البعض تأجيجها الآن؟
-         بشكل عام حين تناولت موضوع علاقة الأقباط والمسلمين في الروايتين المذكورتين كنت مهتما بأن أعالجها بشكل حساس، وبرهافة، وبنبرة إنسانية، وبالأساس لأنى لا أحب أن أتهم بأنني ابتغى الشهرة والإثارة. فلا أحب أن اشتهر إلا بسبب جودة أعمالي، ومع ذلك فأنا لن أعيد كتابتهما، بل أعكف على كتابة الجزء الثالث منهما الآن، لإبراز صوت كريستين، الطرف القبطي في علاقة الحب مع رامى المسلم، واظن أنني سأكون أكثر وضوحا وقسوة في تناول القضية في هذا الجزء، أولا بسبب التغيرات التي حدثت مؤخرا في مصر، ولأنني أعتقد أننا في مرحلة لم تعد تحتمل تلمس القضايا من بعيد.

· فزت عام 2012 بجائزة ساويرس عن رواية "أبناء الجبلاوي".. ما رأيك في دعم رجال الأعمال للأدب.. هل تفترض فيهم حسن النية أم تعتبر ذلك نوعا من البرستيج الاجتماعي والدعاية لأنفسهم ومشروعاتهم؟
-         منذ بدأت الكتابة وأنا أحرص على استقلالي عن المؤسسة الثقافية الحكومية، فلم أنشر سوى في دور نشر خاصة، ولم أتقدم لأى جائزة حكومية، ولذلك أعتز جدا بجائزة ساويرس لأنها جائزة أهلية، تمولها "مؤسسة ساويرس للتنمية" والتي يديرها افراد مستقلون من خارج عائلة ساويرس، وليست باسم شخص أو رجل أعمال بعينه، وتمنح منحا دراسية وتقدم خدمات للمجتمع. وأعتقد أنها أيضا من الجوائز القليلة التي تدار بشكل احترافي واغلب اختياراتها تلقى القبول في الوسط الثقافي المصري والعربي.

 نشرت في صفحة الأدب والثقافة بجريدة الأخبار المصرية