Saturday, April 16, 2016

حوار الفضيلة الغائبة

تغريدة

حوار أم جدل؟

إبراهيم فرغلي

دعاني حسن الحظ للتعرف إلى الدكتور فهد راشد المطيري، استاذ اللسانيات في جامعة الكويت، حين وجهت له الدعوة، بالتنسيق مع المكتب الثقافي المصري في الكويت ليكون بين المتحدثين عن كتاب "التفكير العلمي" للدكتور فؤاد زكريا، في إطار احتفاء السفارة المصرية بذكرى المفكر المصري الراحل، خلال أسبوع ثقافي مصري قدم عدة أنشطة فنية وفعاليات علمية وثقافية مكثفة.

فوجئت بالحيوية، والذكاء واللباقة التي يتمتع بها الدكتور فهد المطيري، وبالموسوعية في طرحه لأبرز أفكار فؤاد زكريا، ونقده للكتاب محل الطرح. كما لفت انتباه الحضور بقدرته على الحوار والنقاش مع الجمهور الواسع الذي أعقب المحاضرة. وتبينت أن له مريدون من شباب الكويت، وطلبته في الجامعة،بين الحضور. 

خلال النقاش تبينت أن الدكتور المطيري أسس ظاهرة بين طلبته تعتمد على فكرة النقاش والحوار؛ بمعنى الاتفاق على موضوع معين، وبحيث يتبنى فريقان من راغبي النقاش وجهة نظر، ثم يتم بدء حوار حول الموضوع على كل طرف أن يقوم بطرح وجهة نظره. 

عقب اسبوعين من هذه الأمسية علمت أن جماعة ثقافية شابة باسم "الصالون الثقافي"، قامت بدعوة دعت الدكتور المطيري لمناقشة حول مفهوم العقلانية. وقررت حضورها على الفور.
لكنها لم تكن أمسية تقليدية، فقد قرر هؤلاء الشباب كسر احتكار المحاضر للحديث، من أجل توسيع دائرة النقاش، وتلاقح الأفكار. يتحدث المحاضر لعشردقائق فقط، ثم يبدأ النقاش لمدة ثلث ساعة بين الحضور وبعضهم البعض أو مع المحاضر، وهكذا على مدى ساعتين.

تعلمت خلال هذا اللقاء الاستثنائي الكثير، وأدركت أن هناك أفرادا لا يستهان بهم في هذا الجيل، لديهم الرغبة والوعي في تأسيس ثقافة حوار في مجتمعاتنا العربية التي تسودها، مع الأسف، ثقافة حوار الطرشان، ونفي الآخر، والفهم المغلوط لفكرة الحوار باعتباره صراع ينبغي أن ينتهي بسحق الآخر، أو الانتصار عليه، بدلا من المفهوم الجوهري للحوار باعتباره ثقافة قبول الاختلاف، واحترام المختلف معه. 
ولعل أبرز ما لاحظته في هذا الحوار الموسع الذي تنقل بين المصطلحات، إلى الأفكار، ومن نظرية التطور إلى مفهوم العقلانية، ومن القيم الغائبة إلى سبل التربية الحديثة، ومن الفارق بين الموقف الأخلاقي والموقف العقلاني إلى تناقضات العقل في فكر ما بعد الحداثة وغيرها، أقول لاحظت غياب سمة "التحذلق" التي أصبحت سمة كل مدّعي الثقافة في عالمنا العربي، ومستخدمي وسائط الاتصال الاجتماعي التي يعتبرها الكثيرون منصة الاستعراض للسان المقطوع. أقصد أننا، بعد عقود من الكبت وتكميم الأفواه، تصورنا أننا حين نمتلك لسانا، فلا ينبغي له إلا أن يكون: حادا، ولاذعا، ساخرا، بحيث لا يبدو أنه يهتم بجوهر ما يعبر عنه، قدر الاهتمام بإبراز قدراته في استعراض المعرفة، من دون الانتباه إلى أن هذا اللسان المتحذلق يتسلح بهذه الحدّة لأنه ورثها من ثقافة الثنائيات الطائفية، والعقائدية، والأخلاقية البعيدة عن العقلانية وفضيلة الموضوعية.
أدركت أن هناك وعيًا لدى الحضور، بالرغبة في الحوار، والفهم، واحترام قيمة العقل، والالتزام بنزاهة النقاش، وبالتالي احترام أصحاب الأفكار المختلف عليها وحولها. 
وأعتقد أنه لا بد من توسيع انتشار مثل هذه المبادرة النبيلة، لاستعادة فضيلة الحوار بديلا لخطيئة "حوار الطرشان" المتوارثة من أزمنة الاستبداد والتخلف. 


Monday, April 11, 2016

The Smiles of The Saints



I got a message from the Danish Author Kiresten Thoroup about The Smiles of The Saints 

Kiresten Thoroup
Photo: Finn Frandsen
Dear Ibrahim,

I have read your novel "the Smiles of The Saints" (from Amazon). I loved its spirituality, the "other world" present alongside the beautiful and dramatic love story. 

It was interesting for me by reading your novel to get to know, how religion can disturb people's´ lives and the tragic difficulties of mixed marriages. So it was a great pleasure reading "The Smiles of The Saints". 

Warmest wishes and regards

from Kirsten

Sunday, April 3, 2016

فاطمة ناعوت متهمة بازدراء الأديان


عودة محاكم التفتيش العصرية في القاهرة

بعد البحيري فاطمة ناعوت متهمة بازدراء الأديان






إبراهيم فرغلي


خلال فترة وجيزة شهدت المحاكم المصرية حكمان قضائيان أثارا ضجة وجدلا كبيرا في القاهرة، بتهمة واحدة هي ازدراء الأديان، حيث حكم بالسجن لمدة عام واحد على إسلام بحيري، ثم بالسجن ثلاث سنوات على الكاتبة فاطمة ناعوت، وتغريمها أيصا مبلغ 20 ألف جنيه (نحو 2500 دولار).

الجدل المتسبب من مثل هذه الأحكام يعود لعدة اعتبارات، أولها أن ازدراء الأديان  مفهوم واسع نسبيا، خصوصا حين نرى، على سبيل المثال، أنه اتهام سبقت به بعض المحاكم المصرية إلى كل من نصر حامد أبوزيد، والكاتبة نوال السعداوي، و كذلك الشاعر الراحل حلمي سالم، وعدد كبير آخر من كتاب وفنانين في ظروف وسياقات مختلفة بينهم مثلا الفنان الشعبي حكيم، بسبب فيديو أغنية مصور، بل وهناك أخبار تتناول اتهام المطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم بالتهمة ذاتها. مما يبدو معه أن ازدراء الأديان يتم تطبيقه على سياقات مختلفة وربما متباينة يستوي فيها مفكر عليم بشؤون اللغويات والفقه مثل نصر أبوزيد وبين مطرب شعبي بسبب لقطة مصورة في فيديو أو فيلم!

الاعتبار الثاني يعود لأن الدستور ينص على حرية العقيدة، وحرية التفكير والتعبير في مادتين متتاليتين هما  مادة 64 وتنص على أن "حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون".

ثم المادة 65 التي تنص على أن "حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".

ما يجعل الكثير ممن يتلقون أخبار هذه المحاكمات يتشككون في الدوافع الحقيقية، ومدى كونها دوافع سياسية، تحركها جهات مستفيدة منها، في توقيت دقيق يتعرض فيه الأزهر في مصر لانتقادات حادة حول مسؤوليته في انتشار خطابات الكراهية والتحريض التي انتشرت على مدى العقد الأخير، وأسهمت في كوارث عديدة ممثلة في الفتن بين الأقباط والمسلمين تارة، أو بين السنة والشيعة خصوصا خلال فترة وجود الإخوان في الحكم. وهو ما سلط عليه الضوء بعض المختصين والإعلاميين، من خلال الإشارة إلى مقتطفات بعينها بين مناهج الأزهر التي تدرس الآن موادا تحرض على كراهية الملل الأخرى، إما في غياب التدقيق والمراجعة من الجهات الإشرافية على المناهج التعليمية للأزهر، أو ربما بعلم من يعلمون.


لقد كان خروج الجموع التي خرجت في مصر في 30 يونية 2013 تأكيد على رفض شعبي مطلق ليس فقط للإخوان، بل ولمنطق دس السم في العسل، ولأي مشروع سياسي يستخدم الدين في مجتمع متدين على طريقته، ولم يعرف عنه التطرف. وربما لا يبدو أن جهات عديدة في مصر اليوم تستوعب العبرة من ذلك الخروج الذي أنار ليل القاهرة بحشود غير مسبوقة. ولا أظن بشكل شخصي أن تزايد حملات التكفير ووسم الكتاب أو كل صاحب رأي نقدي بالخروج على الملة يمكن أن تستمر مطولا، خصوصا في دولة طالبت فيها القيادة السياسية، ربما لأول مرة في التاريخ المعاصر، قيادات الأزهر بتحمل مسؤولياتها في تجديد الخطاب الديني، في توقيت لم يعد يحتمل أي تأخير.

أعتقد أن المثقفيناليوم مطالبون بوقفة جادة لمطالبة الحكومة المصرية بفحص مواد القوانين المقيدة لحرية التعبير، وبينها المادة  98 من قانون العقوبات والتي تعود للسبعينات حين وضعت في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات تخوفا من هجوم المتشددين الإسلاميين بالهجوم على المسيحيين على المنابر وفي خطب المساجد.
تنص هذه المادة  على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز الـ5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز الـ1000 جنيه؛ كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار منطوقة بقصد الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، فيما تنص المادة 161 على أن يعاقب بتلك العقوبات على كل تعد يقع بإحدى الطرق المبينة بالمادة 171 على أحد الأديان التي تؤدي شعائرها علناً. ويقع تحت أحكام هذه المادة كل من طبع أو نشر كتاباً مقدساً في نظر أهل دين من الأديان التي تؤدي شعائرها علناً إذا حرف عمداً نص هذا الكتاب تحريفاً يغير من معناه أو قدم تقليداً أو احتفالاً دينياً في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية به.
وهاهي المادة نفسها اليوم، بعد ثورة شعبية يفترض أنها قامت أولا باسم الحرية، ولا زالت المادة نفسها تستخدم من قبل أشخاص لا صفة لهم. فما هي الصفة التي تؤهل المحامي الذي رفع الدعوى القضائية على فاطمة ناعوت أن يقوم بذلك؟ وما هي الفئة التي يمثلها في الحقيقة؟ هل يمثل عموم المسلمين؟ هل يمثل الإسلام؟ من الذي منحه حق الحديث باسم المسلمين واتهام فاطمة بازدراء الأديان؟ ثم هل عقوبة السجن تعني عدم اقتناع ناعوت بما قالته أو كتبته واتهمت بناء عليه بازدراء الأديان؟

إن هذه الأحداث بالغة الخطورة ستولد أسئلة عديدة وإشكالات أكبر مما يتخيله من يلعبون بالنار اليوم.

في النهاية ليس هذا دفاعا عما تقولهناعوت أو أي شخص آخر، فليس مضمون ما يقال أو يكتب هنا أو هناك هو الموضوع، بل القضية هي الدفاع عن حق ناعوت في أن تقول ما ترى أو تعتقد  طالما تملك الأسانيد، وعلى من يعارض ذلك أن يقدم الحجة والرأي البديل، الدفاع هنا عن حق حرية التعبير، وحرية النقاش، والتفكير، والرد على الرأي بمثله أيا كان، فعقوبة صاحب الرأي لا يمكن لها أن تمنع الناس عن التفكير، أو التوقف عن الجدل، أو عن الرجوع لمصادر التراث، وقراءة المسكوت عنه في نصوص التراث التي تتنافر مع المدونات الرسمية التي يعتبرها أهل السنة موثوقة، حتى لو كانت منقولة عن بشر آخرين وليس لها صفة القداسة، وكذلك الأمر بالنسبة لكل أصحاب عقيدة أو طائفة.
ربما أن ما يجبأن تقوم به الدولة في مصر اليوم اليوم هو الإيعاز بمراجعة كافة القوانين المقيدة للحريات والتي تتنافى مع مواد الدستور، القوانين التي تعرقل حرية الرأي والحرية الشخصية وحرية التعبير وايضا عن الرأي السياسي المعارض للسلطة، كما ينبغي أن تعمل وزارة الثقافة على الضغط من أجل هذا الغرض، خصوصا أن مثل هذه القوانين وضعت أساسا لأسباب سياسية وسوف تستمر كذلك وسيساء استخدامها دائما وأبدا.
الإصلاح الديني يحتاج إرادة قانونية جديدة جنبا إلى جهد الأزهر المأمول ووزارة التعليم، ولا يمكن لأي طرف أن ينتهج إصلاحا من دون إصلاح المنظومة كاملة. أما القمع والإرهاب، فلن يعود على من يقوم به إلا من جنس ما يقوم به.


 نشرت في (النهار) اللبنانية في مارس 2016

Friday, April 1, 2016

شر البلية في قضية قتل وتعذيب الضحية الإيطالية



شر البلية


إبراهيم فرغلي

يقال أن شر البلية ما يُضحك، تمامًا كما التناقضات والسيناريوهات التي تتوالى من وزارة الداخلية في قضية تعذيب وقتل الباحث الإيطالي.
لا أعرف من المسؤول عن تصريحات الداخلية التي لا تثير إلا الشكوك، والغضب؛ بسبب إحساس عائلة الضحية بالاستخفاف بمشاعرهم، ثم إحساس المجتمع المصري بالاستهانة بعقول أفراده، فما بالك بالمجتمع الدولي الذي يترقب نتائج التحقيقات في هذه القضية الخطيرة، ويضع عينه على شرطة مصر وأداءها، خصوصا وأن الشرطة المصرية، مع الأسف، لها سمعة عالمية في مسألة التعذيب، بلغت حدا فضائحيا خلال الفترة التي سبقت اشتعال الانتفاضة على حكم حسني مبارك وأدت إلى إسقاط حكمه بإرادة شعبية عنيدة.

ويبدو أن عددا من أفراد الداخلية يظنون أن غضب المصريين ونقمتهم على الإرهاب والإرهابيين، قد يؤدي إلى تغافلهم عن قضايا التعذيب التي لا تزال مستمرة كما تشير تقارير عديدة، وكما شهدنا من وقائع خلال الشهور الفائتة. وهو ما أظنه تقدير في غير محله، خصوصا وأن حالة الغضب الشعبي، مهما تغاضى البعض اليوم عن كثير من التجاوزات من مبدأ تقدير الأفراد المجدين في جهاز الداخلية ممن يبذلون جهدا بارزا في القضاء على الإرهاب، أو تحقيق الاستقرار، لا تزال تعكس عدم ثقة كبير من الجمهور تجاه رجال الشرطة الذين يتجاوزون في حق الشعب.
وقد كان قرار الإفراج عن "معتقل التي شيرت" كاشفا للكيفية التي تتعامل بها بعض الأجهزة في مصر بتعسف مقصود، قد لا يؤدي سوى للمزيد من الغضب الشعبي تجاه ممارسات الشرطة السلبية، أيا كانت أسبابها: سوء التقدير، أو انعدام الكفاءة، أو التربص، أو غيرها.
نحن في الواقع أمام معضلة كبيرة، فإذا كان التفويض الذي منحه الشعب للرئيس لمحاربة الإرهاب قائم في جانب كبير منه على الثقة في جهاز الداخلية باعتبارها الجهة المتخصصة في هذا الصدد، وإذا ثبت أن هناك دلالات عدم كفاءة عديدة لدى هذا الجهاز، فكيف سيستمر أصحاب التفويض في هذه الثقة بنفس اليقين الذي كان لديهم في 30 يونية؟

هذه السلبيات تتسبب أيضا في إحراج الدولة والنظام أمام العالم، بل أمام المواطنين الذين ينعدم إحساسهم بالأمان بسبب ممارسات غير مسؤولة من أفراد يفترض أنهم مسؤولين مباشرة عن أمن المواطنين.
كما أن الفئات التي تعاني من عدم الكفاءة في جهاز الشرطة، باستخدام وسائل التعذيب التي تغطي بها على عدم قدراتها على الحصول على المعلومات أو أداء واجبها الشرطي بنزاهة، أو حتى لأسباب تعود إلى مشكلات نفسية، تسيئ بشكل مضاعف لأفراد الشرطة أنفسهم في الأقسام التي تقف على خط المواجهة المباشر مع نيران الإرهابيين.
أما الخسائر الفادحة التي يتكبدها الاقتصاد المصري بسبب هذه التجاوزات فقد أصبحت اليوم باهظة، ليس فقط على مستوى التأثير في عدد السياح الوافدين إلى البلد، ولا بسبب هذه السمعة التي تثير مخاوف الكثيرين من دولة لا زالت تعذب البشر. بل وصولا للتأثير سلبا في صفقات استثمارية دولية بينها ما تردد عن انسحاب واحدة من كبريات شركات النفط الإيطالية من عمليات إنتاج الغاز في الحقول المصرية. إصلاح جهاز الشرطة أصبح أولوية وتجارب الإصلاح ليست بعيدة أو مستحيلة، كما رأينا في تجارب العالم، لمن يمتلك الإرادة.


تغريدة .. مقالي الأسبوعي في جريدة القاهرة في 29 مارس 2016