Monday, February 20, 2017

حارة المعجزات!


حارة المعجزات!

إبراهيم فرغلي





شاهدت بالصدفة غلافين مختلفين لرواية زقاق المدق لنجيب محفوظ في ترجمات للإسبانية، حين كنت أتصفح الإنترنت.

لفت انتباهي أن الغلافين يصوران زقاقا من أحد أحياء مدن الجزائر القديمة، وأن المرأة في الصورة ترتدي الحايك، أو "الحائك" وهو الزي التقليدي القديم للنساء في الجزائر والمغرب وربما منطقة شمال إفريقيا عموما.
اندهشت، لأنني لم افهم هل القائمون على دار النشر الإسبانية لا يعرفون الفارق بين الحارة المصرية وتلك الجزائرية أو المغربية، أم أنهم لا يهتمون بالفروق بين خصوصيات دول تلك الكتلة المشوشة المضطربة من العالم التي يعرفونها بالشرق الأوسط؟
هل الخيال القديم للشرق لا يزال طاغيا إلى هذا الحد في عقول الناشرين الغربيين، أم أنهم يغازلون هذا الخيال لدى القطاع الأوسع من جمهور أوربا الذي لا يعرف بالفعل عن الثقافة العربية والمجتمعات العربية سوى قشور مما خلفه المستشرقون، وكوارث الأخبار اليومية إذا مست حياتهم اليومية؟
في أي الأحوال، وبغض النظر عن كون الدار تملك مستشارا فنيا عربيا، أو لا تهتم، فإن الغلافين أكدا لي ما أشعر به حيال حالة النخبة الغربية المعاصرة، التي تبدو لي نخبة مما يمكن أن نطلق عليهم خبراء، بتعبير الصديق مهاب نصر أيضا، أكثر كثيرا من كونهم مفكرين.
النخبة الغربية اليوم، ومهما تظاهرت باهتمامها بالشرق، تبدو لي مهتمة وفق منهج أكاديمي، ممتلئ بالكلاشيهات.
كلاشيهات تعرفها هذه النخبة عن الحريات الشخصية، حقوق المرأة، الديمقراطية، الاقتراع في الانتخابات. وتحاول فهم ما تراه وفقا لمعاييرها الغربية، الإجرائية. بالتالي فالديمقراطية لدى النخبة الغربية الإجرائية تعني وجود صندوق انتخابي ومقترعين مثلا. لا علاقة لهم بنوع المقترعين، بالوعي، أو بوجود أو عدم وجود ثقافة ديمقراطية أساسا بين هؤلاء المقترعين وبعضهم البعض. لا معرفة بحقيقة التباينات الثقافية بين الريف والحضر، وبين المدن والقرى أو طبقات المجتمع المصري.  
ولهذا فمن البديهي أن تباغت هذه النخب، ليس بما يحدث في الشرق الأوسط، فقط، بل بما يحدث في الغرب، في موطنهم، من تغيرات ثقافية يظل النخبوي الغربي الإجرائي مصرا أنها "تغيرات ثقافية علينا القبول بها"، من دون محاولة فهم جدية لأخطاء الشكلية الإجرائية، التي تحولت إليها الديمقراطية الغربية، أو لمراجعة سلبيات المنهج النيوليبرالي في جعل مفهوم "الحرية" الشكلاني وسيلة لتحويل مقدرات الشعوب وثرواتهم بين أيدي بضعة مئات من المليارديرات في العالم مقابل ملايين البشر الذين لا يمتلكون ما يكفي حاجتهم الأساسية. من دون أدنى محاولة للوقوف بجدية أمام سياسات حكوماتهم الديمقراطية تجاه العرب، والتي دمرت أكثر من دولة عربية ولا زالت مستمرة في سعيها.
وهناك اليوم أفكار بالغة الأهمية في نقد تناقضات الحكومات الغربية في سلوكها بين الشعارات الديمقراطية التي ترفعها من جهة، والممارسات الإستغلالية التي تقوم بها لتوسيع مجال نفوذها الاقتصادي والسياسي في العالم، بل وحتى ازدواجياتها في قضية الصراع العربي الإسرائيلي. 
بين أصحب هذه المراجعات مثلا الفيلسوف السلوفيني المثير للجدل سلافوي جيجيك، والمفكر الماركسي ديفيد هارفي، والناشط  والسينمائي مايكل مور في الولايات المتحدة وغيرهم.

لكن ما يهمني الإشارة له هو العديد من الأفكار المهمة التي يضع ديفيد هارفي، يده عليها في كتابه "الليبرالية الجديدة"، والذي سأتعرض له بالتفصيل. 
تغريدة نشرت في صحيفة القاهرة