Tuesday, January 12, 2016

جيش غاندي!


تغريدة

جيش غاندي!

إبراهيم فرغلي





أقرأ بين آن وآخر تعليقات أو آراء يفترض قائلوها أنها مقولات سياسية، تتماهى فيها دلالات استخدام كلمة الجيش مع الديكتاتورية، في خطابات تذكرنابخطابات المواطنين عن جيوش الاحتلال أو الاستعمار الغربي لبلادنا، من دون التمييز لدور الجيش كمؤسسة وطنية مهمتها حماية الأمن القومي للبلاد، وذلك على الرغم من الدلائل التي برزت على ساحة الأحداث قبل أسابيع في مجتمعات ديمقراطية عتيدة مثل فرنسا وبلجيكا مثلا، بمجرد تعرضها لبعض العمليات الإرهابية التي اضطرتها لاتخاذ قرارات استثنائية  انتشر الجيش بمقتضاها في الشارع.
ولكي لا تكون المقارنة بعيدة عن أوضاع مجتمعنا الذيلا يزال يتلمس خطواته الأولى جدا نحو الديمقراطية، ويحتاج لعقود حتى يتخلص أفراده، قبل مؤسساته الحكومية والسياسية، من ذهنية الخطاب الأحادي الإقصائي،سأقدم نموذجا سياسيا مهما لا ينتمي للغرب وهو النموذج الهندي، لعلنا نتأمل.
يعرف العالم كله الزعيم الهندي غاندي بأنه واحدمن أبرز رموز الحرية في العالم،  الذي حرر بلاده من الاستعمار عن طريق العصيان المدني، والمقاومة السلمية، والذي أدت جهوده مع جهود المجتمع المدني بعد الاستقلال لأن تصبح الهند أكبر ديمقراطية في العالم، وحتى اليوم.
 وللحفاظ على هذه الديمقراطية؛عملت الهند لبناء جيش مسلح بأفضل وأحدث قوى التسليح، مستغلة طفرات تقنية وتعليمية حققتها خلال مسيرة بناء الدولة بعد الاستقلال ليصبح الجيش الهندي اليوم ثالث أقوى جيوش العالم، وفق ما تورده مصادر موثقة، ويمتلك، بالإضافة للسلاح التقليدي بكل ألوانه، قوة ردع نووية هي السادسة بين قوى العالم في هذا المجال.
وصحيح أن رئيس الوزراءالهندي يمتلك صلاحيات رئيس الجمهورية إلا قليلا، لكن رئيس الدولة المدني يحتفظ بمنصب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وتلتزم الهند بكافة الاتفاقيات التي تلزمها بعدم البدء بالاعتداء على الغير تأكيدا منها على أنها لا تبتغي من قوتها العسكرية إلا الحفاظ على الدولة.

ولعل الهند، التي تعد واحدة من أكثر دول العالم تعرضا للاستنزاف والنهب من قبل القوى الاستعمارية الإمبريالية، قد تعلمت الدرس جيدا، ونجحت، في طريقها لبناء نهضتها المشهودة اليوم، في إدراك أن هذا العالم الذي تقتات فيه دول منحطة أخلاقيا في علاقاتها بالعالم، بتدمير شعوب أخرى والتحكم في مصائرها، تحتاج للقوة اللازمة لمواجهة مخططات المناوئين، من دون أي تناقض بين يقينها في العملية الديمقراطية كأساس لحكم مجتمع يتكون من عشرات الطوائف والديانات والمعتقدات ويتحدث بعشرات اللغات واللهجات، وبين كيفية حماية تعايشهذا المجتمع بكل الوسائل الممكنة، ووضع الهند على خارطة القوى العالمية التي يجعل الغرب يضعها في حسبانه جيدا.
حققت الهند هذه الديمقراطية عبر مبادرات المجتمع المدني، وتكوين الأحزاب لكوادر مؤهلة لكسب ثقة الشعب، بغض النظر عن الطائفة التي ينتمي لها أي من هؤلاء السياسيين.
الديمقراطية تصنعها الهيئات المدنية، والأحزاب أساسا، عبر عمل سياسي منظم ومستمر، يمكن لها به أن تصبح قوة حاسمة تواجه الفساد وتجاوزات الشرطة ولا كفاءة النظام، بل وأي تقصير من أي مؤسسة مدنية أو عسكرية، وهذا بعيد تماما عن مجتمعنا المدني الرخو. نعم، الديمقراطية تصنعها المؤسسات المدنية، ويسهر الشعب على رقابتها، ويحميها الجيش؛ في الهند وفي مصر، وفي أي مكان آخر.

نشرت في جريدة "القاهرة" - 12 يناير 2016

No comments:

Post a Comment