تغريدة
ثورة ثقافية
يعييني التفكير يوميا في الكيفية التي يمكن أن ينجو بها الجيل الجديد الذي
يتفتح وعيه اليوم فيرى على الشاشات هذا الكم من الفضائح والجهل والتفاهة التي تقدم
بوصفها برامج تلفزيونية، والذي يشاهد البلطجية باعتبارهم النماذج،
ولن أقول القدوة، على شاشات السينما وشاشات القنوات الخاصة، بوصفهم إعلاميين أو نوابا
برلمانيين أو حتى أحيانا مسؤولين.
جيل سيئ الحظ لأنه حتى لو أغلقت من أجله الشاشات
فبمجرد أن ينزل إلى
الشارع أيضا سيتعلم السباب من اللحظات الأولى، وسيرى أن ثقافة الكراهية والإقصاء
محمولة في النفوس وتنفجر يمينا ويسارا في الطرقات والأزقة، وسيرى أقرانا له في مثل
عمره وهم يستبيحون أعراض الفتيات والسيدات بلا تمييز أو تفريق.
أين المفر؟ وكيف يمكن أن نحمي جيلا جديدا من هذا المناخ الموبوء والفاسد
القادر على إنتاج أجيال أكثر ضحالة وسطحية وتفاهة؟
ومع ذلك، وبرغم كل هذه القتامة، فلا
يمكنني أن أفكر من دون اعتبار للمجتمعات التي تجاوزت محنات كهذه. وصفحات التاريخ
ممتلئة بالدروس لمن يود أن يفهم دروس التاريخ، وكم من شعوب اتحدت فيها إرادتها
بإرادة الدولة وتجاوزت محنها الأخلاقية والاجتماعية لكي تصبح مجتمعات إنسانية
يتعايش فيها الناس، لكنها دول ومجتمعات
تجاوزت السلبيات التي تماثل وأحيانا تفوق ما نمر به اليوم باتحاد إرادة الدولة
ورجال الأعمال ورأس المال الخاص.
لا يمكنني إلا أن
أكون متفائلا ولو كره الكارهون، لأنني مثلا على يقين أنه لو
تمكن رجل أعمال، أو أكثر بطبيعة الحال، من استثمار أمواله في قناة تلفزيونية تنظف
عيون الناس وآذانهم ببث الموسيقى الكلاسيكية الرفيعة، ورقصات الباليه، التي كانت
في السابق جزءا ثابتا من البرامج التلفزيونية الحكومية، وتطلعهم على تراث الموسيقى
الشرقية لكان ذلك جزءا من الرسالة التي ينبغي أن تقدم الآن وهنا.
وإذا تمكن وزير الثقافة من التنسيق مع وزارة التعليم بحيث تصبح الثقافة
والفنون والآداب جزءا رئيسا من المنهج التربوي عبر أنشطة دورية يشارك فيها الكتاب
والأدباء في المدارس ستكون هذه محاولة أخرى لسد فجوة أكبر.
وتزويد المكتبات بالكتب
التي تهذب وجدان الطلبة وتحفز خيالهم وتمنحهم الفرصة للاطلاع على جمال الفكر
والآداب والفنون.
وإذا تدخلت الوزارة بثقلها لتمويل أعمال سينمائية راقية تعيد للسينما
المصرية وهجهها، سيكون ذلك جانبا ثالثا في عملية صعبة وطويلة لاستعادة الذوق
وإعادة إحياء الاهتمام بالفنون، الذي من شأنه أن يهذب الوجدان والنفوس، ويلبي
بالتأكيد رغبات محمومة ومقموعة لشعب يتعطش للفنون.
لا أظن أننا يمكن أن نواهج الظلام المرعب الذي يحيط بنا ويقتات من الفساد
والجهل والتخلف وينشرها باضطراد إلا عبر ثورة ثقافية بالمعنى الحقيقي. ثورة ربما
ستحتاج إلى تشريعات وقوانين أخرى لضبط الشارع وضبط أداء القنوات الإعلامية الخاصة
وتفعيل مواثيق الشرف الإعلامي، لكنها لا بد أن تبدأ الآن وهنا؛ لأن كل دقيقة تمضي
اليوم يتأثر فيها عشرات آلاف من شباب ومراهقين بما يدور حولهم من مظاهر التأثير
الإجرامي للإعلام المنحط، الذي يشارك فيه أسماء معروفة للجميع من الإعلاميين، وللفنون
الهابطة، التي تصبح جزءا من تكوينهم الثقافي والوجداني، مع الأسف، يتحركون بها
بدورهم للشارع ويحولونها لكرة ثلج تتضخم يوما بعد آخر. فهل من منصت؟ أتمنى.
نشرت في "القاهرة" الثلاثاء 29 ديسمبر 2015
No comments:
Post a Comment