مرايا
العلم وقاهر العفاريت!
إبراهيم فرغلي
طالعت صفحاتالأصدقاء والمعارف والزملاء على الـ"فيسبوك"
خلال فترة إعلان الفائزين بجوائز نوبل، وهالني أنني لم أقرأ حرفا، أو أجد رابطا
لخبر يخص جوائز العلوم، ثم تدبرت الأمر قليلا وقلت: هذا بديهي، فمن أين سيجدون
الروابط إذا لم تكن هناك أساسًا منابر للعلوم في أغلب وسائل صحافتنا العربية. فلا
توجد لدينا مجلات علمية، تخيلوا؟!، وأغلب الزوايا العلمية في الصحف الكبرى، لا
تعدو عن كونها صفحات طبية خبرية يمكنك أن تقرأ فيها عناوين مثل "تزايد هبوط القلب
بين المصريين"،"الجزر والسبانخ لوقاية العين من المياه البيضاء". أما
التلفزيون فمشغول ببرامج المهرجين و"الأراجوزات"، والوصف ليس من عندي بل
من محض مسلكهم، الذين يُلهون الشعب بتوافه الأمور فيما يتوهمونه شؤون السياسة
والمجتمع.
مواقع قليلة جدااهتمت بنوبل للعلوم مثل موقع "مصراوي"
الذي نشر حوارا مع العالم كارل هنريك هلدن؛ رئيس جائزة نوبل، كما أشار الموقع في
تقارير مقتضبة إلى الجوائز العلمية لنوبل هذا العام، ونشرت صحيفة "الأهرام"
تقريرا عن جائزة نوبل في الطب، وبعض الصحف
نقلت خبر وكالات الأنباء المعمم. وفيما عدا ذلك تقريبا لاشئ.
وبينما أحالنيالبحث عن كلمة علوم إلى خبر
احتفال الرئيس السيسي بعيد العلم، فإن الغالبية العظمى من مستخدمي صفحات التواصل
الاجتماعي كانوا مشغولين، ذمًّا وقدحا، بواحدة من الباحثات عن الشهرة تحت مظلة
الإعلام بينما تروج في برامجها لظواهر العالم السفلي و"قاهر العفاريت".
قلت فلنعد إلى يوم العلم إذن، لعل وعسى، ففوجئت
بالرئيس عبدالفتاح السيسي يقول في كلمته "إن دور العلم والعلماء والبحث العلمى
له أهمية قصوى فى النهوض بالاقتصاد المصرى فى الفترة المقبلة"، وهي جملة تبدو
في ظاهرها إيجابية، بينما تعكس في الحقيقة
تناقضًا كبيرًا في تقدير الواقع الحقيقي لحالة العلم في مصر. فالبحث العلمي هو
الذي يحتاج لرعاية الدولة والقطاع الخاص معا، وينبغي ان تتوفر له مصادر تمويل
هائلة، حتى يمكن له أن يسهم فعلا في التنمية. ثم قام الرئيس بتكريم عدد من الباحثين
من الأكادميين العلميين، وهو أمر محمود، لكنني كنت أنتظر أن تؤكد الدولة رسالتها للشباب
الذي يحتاج للتشجيع والدعم لاستكمال مسيرته العلمية، بدلا من تحويل عيد العلم إلى
مجرد احتفال شكلي بيروقراطي لا جديد فيه ولا أمل يرجى منه.
إن الأزمةالتي يسببها انحدار مستوى التعليم في
مصر لا تنعكس في انحدار مستوى الاهتمام بالعلوم فقط، بل تمتد شواهدها، وأنتم أعلم
مني، إلى تعليقات الضحالة وضيق الأفق على صفحات التواصل الاجتماعي، وإجابات الطلبة
الجامعيين على أسئلة المعلومات العامة التي تشعر معها أنهم لم يتعلموا شيئا، أو في
ممارسات حكومية من مثل تحطيم مقهى بدعوى أنه للملحدين! أو حبس صبي صغير بدعوى
سرقته لعدة أرغفة من الخبز، أوفي أداء أغلب مقدمي برامج التلفزيون المصري الذين لا
أصدق أنهم قد تلقوا تعليما جامعيا من فرط ما يلوكون من عبارات لا تفيض إلا بالجهل
والادعاء، بالإضافة لأساليبهم التي لا تمت لسلوكيات الإعلاميين بقدر ما تبدو أقرب
لسلوكيات العوام، حتى يكادوا أن يشعلوا بلدا كاملا بحرائق البلاهة والتخلف.
العلم في مصر لا يحتاج إلى عيد يحتفل به، بل
يحتاج لثورة حقيقية، تضع العلم أولوية استراتيجية في خطة نهضة هذا البلد، إذا
أريدت له النهضة، بإقامة مراكز علمية يتوفر لها علماء من أرجاء العالم، ودعم
التعليم العلمي في الجامعات، وإنشاء قنوات تلفزيونية متخصصة في بث المواد العلمية
لجمهورأصابته التخمة من التفاهة والسخافة، وإنشاء مجلات علمية متخصصة مهمتها تبسيط
العلوم وتوضيح كيف أن العلوم تدخل في كل جوانب حياتنا اليومية، وغير ذلك.
العقل الغائب في مصر لن يعود سوى بعودة قيمة و"أخلاقيات"
العلم مرة أخرى للمجتمع، وعندها ربما يتمكن من إضاءة العتمة التي تنمو بفضلها
اليوم عفاريت التخلف والجهل والإرهاب وكل خفافيش الظلام.
ولأجلضيق المساحة أتمنى صادقا أن يختتم من يقرأ
المقال البحث عن جوائز نوبل في العلوم لهذا العام، وأظنها ستضيف لمن يرتجي ثواب
العلم والمعرفة آفاقا جديدة ومهمة.
نشرت في موقع إتفرج http://www.itfarrag.com/
No comments:
Post a Comment