صندوق الهوية
ابراهيم فرغلي
كثيرا ما
استعيد سؤالا كنت اوجهه لصديقة ثقافتها تقليدية ممن ورثن افكارا مريضة عن الاختلاف المزعوم
بين المسلمين والمسيحيين، كنت اسألها طيب تخيلي ان شخصين يتقدمان للزواج منك احدهما
باكستاني أو هندي، لن أقول من دولة عربية، مسلم، والآخر مصري مسيحي، فمن تتصورين ان
يكون الأكثر قبولا بالنسبة لك؟ وكانت تتأمل السؤال للحظات، ثم تبتسم وتقول: تصدق عندك
حق، لكن هذه الابتسامة هي أقصى ما يمكنها ان تمنحه لمثل هذا السؤال، مفضلة العودة لصندوق
الهوية الذي نشأت فيه وأسهمت الثقافة التقليدية التي نعيش في اسارها في تغذية المفاهيم
الخاصة بمكونات هذا الصندوق الاحادية.
تقوم
الثقافة التقليدية على تغذية إيهام الأشخاص ان صندوق هويتهم له مكون واحد هو الهوية
الطائفية او المذهبية، وتقصي كافة المكونات الاخرى والتي تتضمن التراث الثقافي والحضاري
بكل تفاصيله الخصبة من فكر وفن وعادات شعبية ومخزون من الارث الحضاري المتراكم.
هذا
الوهم في الواقع ليس له سوى نتيجة واحدة وهي ان ينشأ الفرد وهو يكره الاخر وكل من يختلف
عنه، وهذه الكراهية للاخر قد تأخذ شكل النبذ او التعالي على الاخر وقد تأخذ أشكالا
عنيفة اخرى هي النتاج الطبيعي لتراث طويل من إقصاء الاخر تبرر القتل والاجرام باسم
الهوية.
والنتيجة
كما شاهدنا في العقود الماضية توترات وحروب أهلية في عدد من دول العالم، وانفجار فتنة
ثنائيات : مسيحي- مسلم، شيعي-سني، بكل اطيافها من دون ان ينتبه احد الى المفارقة المفزعة
في ان الخلاف بين المسلم والمسيحي (وهو وهم تم اختراعه لأسباب سياسية ليس هنا مجال
رصدها)، لا يقل بأي درجة في قوته عن طبيعة الاختلاف التي يتصورها اي من طرفي الخلاف
السني الشيعي المتطرفين.
لا يدرك
طرفي الخلاف في كل هذه الثنائيات المصنوعة داخل صندوق الهوية الاحادي المزيف، ان الانسان
في كل مكان لا يختلف عن غيره، وان الدم الذي يجري في عروق البشر واحد، وان كل شعوب
العالم لا تختلف على معنى الحق والعدل والخير، فمن اين يأتي الاختلاف؟
انه
صنيعة السياسة، والجماعات السياسية التي تتمحك في الأديان وتعمل على تلميع صندوق الهوية
المزيف بكل ما هو لامع وبرَّاق لتخفي زيف الصندوق، وبينما تطور صناع الصناديق المزيفة
من جماعات مثل الاخوان المسلمين الى التكفير والهجرة ، ومن الجماعة الاسلامية الى القاعدة،
ومن النصرة الى داعش فقد تطور مع تاريخهم حتى اصبح اليوم على يد داعش نوعا من الفجر
في الخصام والوحشية التي أتأملها فأدرك كيف نجح صندوق الهوية الوحيد في عودة البشرية إلى المربع الأول: مربع البدائية والوحشية، ما قبل الأديان، ما قبل الانسانية.
No comments:
Post a Comment