مرايا
"اللغة"
المصرية مقبرة العربية؟!
إبراهيم فرغلي
إبراهيم عيسى دمر لغة الصحافة. قلت ذلك منذ سنوات، ولا يزال هذا رأيي.
واليوم طالع
أغلب الصحف والمدونات والمواقع الإلكترونية الصحافية، وما يسمى قسم اللغة المصرية في
الموسوعة الشعبية (ويكيبيديا)، فماذا ترى؟ هذر وسخف ولغو، هذا تقديري لأي منتج مدوّن
يستخدم العامية، لماذا؟
ما بدأه إبراهيم عيسى، وهو بالنسبة لي صديق وأخ وصاحب
فضل، في صحيفة الدستور، قبل نحو عقد كامل، باسم الخصوصية والتميز الصحفي والتحدث الى
الجمهور بلغته آتى ثماره اليوم، لكنها مع الأسف ثمار معطوبة. فلدينا الآن بحمد
الله جيل كامل لا يجيد إلا الكتابة بالعامية المصرية المفصحة، وهذا ما أفضّل وصفه
بالـ "تهتهة"، أو التحدث بلغة "مكسرّة". جيل لا يملك لغة يعبر
بها لأنها هجين غير أصيل ما بين الشفاهي المنطوق وبين لغة النسخ والكتابة،
بالإضافة إلى أن الكتابة بالعامية مؤشر خطير على مدى الإنغلاق الذي وصل إليه
المجتمع المصري في عصر الإنترنت والانفتاح على العالم. مجتمع غرقان في ذاته، لا
يرى إلا نفسه، ولأنه لا يرى إلاها لا يدرك أنه في الحقيقة أعمى، والنتيجة تضخم
مفرط للذات، ونرجسية، وإحساس بالغرور عن جهل.
في الحقيقة لا يمكن لمجتمع محترم أن يدون أفكاره بالعامية
إلا إذا كان مجتمعا نصف نصف.مجتمع يرقص على السلم في كل شئ. فلا هو يتقن لغته
الأم، ولا يمكن أن يخترع شيئا ذا قيمة من هذه اللغة الهجين "المسخرة".
هذه المسخرة هي نتيجة طبيعية لمجتمع يحب الرقص على السلم فلا ينتج إلا نصفا من كل
شئ، نصف لغة، نصف ثقافة، نصف أدب، نصف صحافة، نصف ثورة، وبالتالي؛ نصف مجتمع.
لم أفهم أبدا فكرةالكتابة بالعامية ولا أزال، فما
المقصود منها؟ أن تجتذب قارئا لا يعرف أصول اللغة الفصحى؟ لماذا؟ لأنه لم يدرس
لغته؟ أو لأنه لم يكمل تعليمه؟ أو لكي تتحدث أنت معه ككاتب بطريقة المصاطب وحوارات
المقاهي؟!
أدخل بين آن وآخر إلى صفحة اللغة "المصرية" في
موسوعة ويكيبديا الإلكترونية، لأتصفحها فلا أرى إلا المساخر، ففي النهاية ليست سوى
تحويل للصفحات العربية أو تحويرها إلى اللهجة المصرية. طبعا هي تحوير لصفحات عربية فقيرة أساسا،
فتصبح بعد التحوير "مسخرة"، خصوصا مثلا لو كانت حول مصطلح علمي. شيئ
مثير للرثاء. وأحاول أن أتخيل ترجمة "مصرية" لكتاب فلسفي لهيجل أو ديفيد
هيوم، فتصيبني حالة من الضحك الهيستيري.
ربما يظن البعض أن اللهجة العامية تعبير عن الهوية المصرية. ويرى أنصار هذه
الرؤية أن أي مجتمع صاحب خصوصية ينبغي أن تكون له لغته وأن يحافظ عليها ويبدع بها.
وأنا أتفق تماما في ذلك. لكن لو أردتم حقا أن أصدقكم فلتبدأوا بتعلم الهيروغليفية،
وإتقانها، تحدثا وكتابة، وأعدكم أنني سأكون أول من يتعلمها معكم لأنها، لأسباب
تاريخية، تمثل اللغة الحقيقية التي تمثل أصل الحضارة التي تنتمي لها مصر وهي
الحضارة المصرية القديمة. عدا ذلك فكله ضحك على الذقون.
نشرت في موقع إتفرج www.itfarrag.com
No comments:
Post a Comment