قوة
الرواية 2
إبراهيم
فرغلي
استكمالا
لفكرة الاستخفاف العام بالرواية الأدبية رغم الاهتمام القرائي الظاهر بها، يعنيني التوقف
عند مفهوم شائع عن الرواية، إذ عادة ما توصف قراءة الروايات بأنها مسلية، أو أن يعبر
أحد القراء عن جودة رواية بأنها مسلية. فهل الرواية مسلية؟ وربما بالأحرى هل القراءة
يجب أن تكون مسلية؟
معنى
التسلية في اللغة إدخال السرور على النفس وإبعاد الضيم عنها، وأغلب المعاني تتعلق باللهو
أو تلهية النفس عما يحزنها. فهل هذا هو ما يحدث للقارئ حين يقرأ؟ ربما تتحقق فكرة التسلية
المرتبطة بالقراءة حين يقرأ المرء مثلا قصة مصورة خفيفة، أو كتابا مشوقا، أو قصة من
قصص المغامرات الخفيفة أو حتى بعض روايات قصص الحب الرومانسية، التي قد يقرأها المرء
ليس بهدف المعرفة بقدر ما يحاول بها أن يزجي الوقت، أو أن يخفف بها من التركيز على
مشاغل حياتية، أو أعباء مما نتعرض له جميعا في حياتنا اليومية.
لكن
هل تندرج مثل هذه القراءة على كتاب في الفكر أو الاقتصاد، أو المعارف العامة، أو حتى
على الروايات بمعناها الحقيقي؟
تقديري
أن القراءة، كفعل وعي ومعرفة، لا يمكن أن تتناغم مع مفهوم التسلية أو تزجية الوقت،
لأن التسلية بالمناسبة يمكن أن تتحقق كذلك عبر وسائل أخرى، مثل لعب ألعاب النرد أو
الورق أو قضاء وقت للترفيه مع الأصدقاء، أو مشاهدة حلقة من مسلسل كوميدي، وغير ذلك،
وهي كلها وسائل من شأنها تعطيل العقل عن ممارسة الانشغال بالتفكير المركب والاستيعاب.
بالتالي
فلا الرواية يمكن أن تكون وسيلة تسلية، ولا أي من كتب الفكر والمعارف والفلسفة. لأنها
جميعا تقدم أفكارا يتعامل معها العقل بمنطق يختلف عن التخدير الذي تحدثه التسلية، فالأفكار
تحفز العقل على المزيد من التفكير، للاستيعاب، ثم للتأكد من جدة الفكرة، وتمثيلها على
الواقع، ومطابقتها بالمعارف المخزونة لدى الإنسان، ورؤية ما يحدث حوله وفق تفسيرات
جديدة بسبب ما أضافته القراءة لإدراكه، وبالتالي فهي من خلال القراءة تكون لدى القارئ
أو تراكم لديه لونا من الوعي المختلف بالعالم.
وحين
يقرأ الفرد كتبا تهتم بتاريخ الأفكار مثلا، أو الاقتصاد، أو الإعلام، أوتاريخ الثقافة
والفكر، من خلال رؤى المحللين الذين يجمعون المعرفة التاريخية بالمجالات السابق الإشارة
لها سيدرك، بشكل أو آخر، أن فكرة ربط القراءة بالتسلية نتاج لحالة اقتصادية أنتجت مفاهيم
تحويل كل شئ إلى سلعة بما فيها الكتاب، والرواية.
هناك
رأسمال ضخم يوجه السوق لكتابات بعينها، يصح أن يطلق عليها "مسلية"، وبالتالي
هذا النوع من القراءات يعمل، في الأجل الطويل، على تقليل الوعي بفهم العديد من الظواهر
التي حولت كل شئ لسلعة، بسبب انتشار مفاهيم النيوليبرالية التي طالت حتى الخدمات الأساسية،
مثل الخدمات الصحية والتعليم. بالتالي أيضا يصح القول، أن التشظي المرعب للمعلومات
والأخبار والتقارير والنمائم على الإنترنت، التي يطالعها الفرد بربع تركيز، وبذهن مشتت،
ويعيد نشرها، هي جزء من حالة إلهاء مستمرة للوعي، بحيث يتم تمييع القضايا وتشتيت
الانتباه عن قضية بأخرى، وباستمرار.
ولأجل تسليع الرواية يفرغها رأسالمال من قيمتها ويروج لأنها وسيلة تسلية،
أي وسيلة إضاعة الوقت، وتغييب الوعي. وللحديث بقية.
مقالي في "القاهرة" الثلاثاء 17 مايو 2016
No comments:
Post a Comment