Saturday, March 5, 2016

لأن الرواية نص كوني اكتب بحرية كاملة ولا تعنيني التقاليد

الروائي المصري إبراهيم فرغلي لـ«أيام الثقافة»: أكتب بحرية كاملة .. ولا تعنيني التقاليد




حاورته بديعة زيدان:

"الفنتازيا"، و"الجرأة على مستوى الطرح والبنية"، و"الأيروتيكا"، و"اللغة المستحدثة"، وغيرها من العوامل، تجعل من روايات الروائي المصري إبراهيم فرغلي، المنحازة للحريات بأشكالها كافة، متميزة ومتمايزة، علاوة على كونها مثيرة للجدل، خاصة روايتيه الأخيرتين "أبناء الجبلاوي"، و"معبد أنامل الحرير"، اللتين شكلتا نقلة نوعية في مشواره الإبداعي، وهو ما لا ينتقص من أهمية أعماله الأولى.
فرغلي، الذي يعترف أن التقاليد والعادات لا تعنيه، وأنه ينتصر للحريات، خص "أيام الثقافة" بالحوار الآتي:
ما يميز روايات إبراهيم فرغلي انحيازها التام للحريات بكامل تجلياتها، في الوقت الذي يعاني فيه الوطن العربي من تشدد في قمع الحريات تحت ذرائع دينية أو سياسية أو غيرها .. كيف يمكن للروائي والرواية التأثير في واقع كهذا؟
- معضلة الحرية تجسد أزمة كبيرة في عالمنا العربي.  فالفرد العربي يواجه قيوداً لا حصر لها، بسبب الرقابة والمناخ المعادي للتفكير الحر، وبسبب غياب ثقافة أمنية تضع أمن المواطن أولوية أولى كما ينبغي، مفترضة أنها تمثل أمن النظام، في مصر وغير بلد عربي.
نعم تنسم عبير الحرية صعب جدا في بلادنا العربية، وبالتالي كنت وما زلت أومن أن النص الروائي أحد أدوات الكاتب لمواجهة القمع، والكبت، وديكتاتورية النظم، ثم ديكتاتورية الأفراد الذين يتشربون هذه الأفكار حتى وهم يطالبون بالحريات.
لكن مع وقوع الثورات على الأرض، وبعد الاندفاع الأول خلف شعارات الحرية والإحساس بالكرامة الكاملة يوم سقوط مبارك، بدأت على أرض الواقع الأحداث التي لم نلتفت لها في كتب الثورات، مثل الثورة المضادة، الطابور الخامس، حرس النظام القديم، المؤامرات الخارجية، الطرف الثالث.
ثم أصبحت الأفكار نفسها المستلبة من معاجم الثورات والتاريخ على الأرض، انسلخت من مغلفاتها البراقة المثالية الجذابة ووقعت أمامنا على الأرض.
وبدا واضحا أن كل كلمة ومعنى يحتاج لإعادة تأمل وفهم حقيقي في ميدان الواقع. الثورة، الحرية، المساواة، الديمقراطية، الفاشية.
حين وصل الإخوان للحكم وبدا أن الحلم بالديمقراطية ليس بالضرورة زاهيا كما يبدو في الكتب، فهو يعني بين ما قد يعنيه حكم الأقلية، أو وصول الفاشية الدينية للحكم، أو الخضوع لسيناريو تدمير الدولة كما يحدث حولنا باسم نفس المصطلح.
أعتقد أننا كان لا بد من أن نعيد تأمل المصطلحات ليس لأنها ليست حقيقية أو صحيحة، ولكن لأن التعامل معها في الواقع يحتاج إلى خبرات وعمل وتنظيم. لكن الشارع الثوري لم يمتلك أيا من هذه الأدوات، ظل الأمر بالنسبة له الوقوف ضد النظام، مبارك، أو من يليه.
اليوم يحاول الكل أن يتنصل من مسؤولياته، ويلقي بأسباب فشله على ما يفترض أنه يثور ضده.
الفشل المرعب للشارع الثوري كشف الضعف الشديد في أدوات المجتمع الثوري المدني، كما كشف عما أسميه فاشية الثوريين، أو ديكتاتوريتهم، فقد تصوروا أن إسقاط النظام يمنحهم سلطة امتلاك الحق والحقيقة، والتعالي على من يختلف عن منهجهم.
وهذا يجعلنا نعيد تأمل الأولويات: هل طالبت الثورات بالحرية في مجتمعات متخلفة لا تعترف بأن الحرية مسؤولية؟ أم أن المساواة هي المطلب الأول الذي ينبغي أن نطالب به اليوم لأنه يحقق ضمانة عدم دخول الأحزاب الدينية في معادلة السياسة والسلطة؟ كيف يمكن أن يتحقق العدل؟ وكيف يمكن تحقيق الديمقراطية في مجتمعات ترتفع فيها نسبة الأمية إلى ما يقترب من نصف عدد السكان؟ أظن أن هذه كانت بعض الأسئلة التي طرحت بشكل فني وغير مباشر في معبد أنامل الحرير وأبناء الجبلاوي، وستظل تشغلني وتؤرقني لفترة مقبلة.

لا تعنيني التقاليد
في إطار حديثنا عن الحريات هناك اختلافات كبيرة بين الروائيين العرب فيما يتعلق بمساحة الحرية في الكتابة الابداعية فمنهم من يراها مطلقة ومنهم من يرى ضرورة احترام عادات وتقاليد المجتمع والقارئ وهناك من هم بين البينين.. أين إبراهيم فرغلي من هذا الجدل؟
- شخصيا أنا مع حرية القارئ في فرز ما يقرأ بلا وصاية، أكتب بحرية كاملة، وما اهتم به هو المعايير الفنية، ولا تعنيني التقاليد، لأنها تختلف من مجتمع لآخر، بينما النص الأدبي يفترض أن يكون إنسانيا، وكونيا يمكن أن يقرأه كل شخص مهما كانت ثقافته، وبما أنني أكتب بكامل الحرية، أفترض أنني أيضا أتوجه إلى قارئ حر في استقبال ما يقرأ .. القراءة تحرير للوعي بشكل عام من كافة القيود ولا يمكن أن تتواطأ الكتابة ضد الفعل المقابل لها الذي تحيا به.

• في الوقت الذي نفتقد فيه لروايات متخصصة في الوطن مثل البوليسية وغيرها، وصف بعض النقاد كتاباتك بالإيروتيكية .. هل الكتابة في هذا المجال تهمة برأيك؟
- طبعا تهمني، وليست إطلاقا تهمة. وقد كتبت مجموعة قصصية تنتمي للإيروتيكا هي "شامات الحسن"، لتأكيد اهتمامي بهذا النوع الأدبي، وهو رغم شيوعه في الأدب الغربي، لكنه في الأساس جزء من تراثنا الأدبي العربي أيضا، في ألف ليلة، وكتب التراث بألوانها.
من جهة أخرى أظن أن تحرير الجسد العربي هو المعيار الذي تتحقق به وتُختبر فكرة الحرية.
تحرير الجسد يعني الانتباه إلى أننا نولد أحرارا، وعرايا، ثم نتدثر بالقيود الاجتماعية وبالأفكار التقليدية التي تجعل من أجسادنا التي نمتلكها بالميلاد، ملكا للآخرين، يقررون لنا ما ينبغي أن نفعل أو لا نفعل بأجسادنا.
الإيروتيكا هي المساحة الكاشفة لقمع الجسد البشري والداعية لتحريره وتخليصه من كل الأعباء الإيديولوجية التي تثقله وتجعله أسيرا، ثقيلا، مقيدا، وهو ما ينتقل لوعي الفرد. ويصبح بالضرورة رقيبا على ذاته وأفكاره بدلا من أن يحرر عقله الذي هو جزء أساسي من الجسد الحر.

تعدد الخطوط السردية
• تتميز رواياتك بتعدد الخطوط السردية داخل العمل الواحد وبرز ذلك جليا في روايتك الأخيرة "معبد أنامل الحرير" وقبلها "أبناء الجبلاوي"، حتى ان البعض وصفهما بروايات ما بعد حداثية، هل التقنية ما تشغلك بالأساس؟
- يشغلني الأسلوب أولا، الذي أحب وصفه بـ "شرف الكاتب"؛ كما يقول صديقي الكاتب المصري مصطفى ذكري. والأسلوب في تقديري صنو التقنية، وأظن أن الكتابة بما أنها فعل يتأمل الراهن من أجل المستقبل، فإنها يجب أن تتحرر أيضا من أطرها التقليدية لصالح تقنيات أكثر حداثة.
النص الأدبي يعبر عن موضوع أو تيمة، ولا بد من تناغم التيمة أو الموضوع مع الشكل، ودور الكاتب البحث والتأمل لإيجاد شكل جديد للنص.
لا يمكن أن أكتب نصا رصينا كلاسيكيا مرتبا بمقدمة ووسط ونهاية مثلا وأنا أتحدث عن تشوش العالم، أو عن الظلم والثورات أو حتى عن انعدام الرؤية لدى الإنسان حين يبدو جليا أنه ينحو نحو جنون إهلاك ذاته والآخرين مأسورا بوهم الإيديولوجيا أو العقيدة أو غيرها من مسببات الوهم.
لا بد هنا أن يأتي النص على نفس القدر من التشظي والتعقد ليلائم مضمونه.
• هل توافق على أنك في رواياتك الأخيرة تنقاد للنص وليس العكس ؟
- أوافق، وبوعي مقصود. يعني أنني كنت في رواياتي التي سبقت "أبناء الجبلاوي"، و"معبد أنامل الحرير" أضع تصورا دقيقا لمسار النص وشخوصه قبل أن أشرع في الكتابة، لكنني اكتشفت أنني بذلك أكبح احتمالات سردية جديدة قد تطرأ أثناء الكتابة، ولهذا حررت نفسي من هذا الشرط، وبدأت أترك نفسي للاحتمالات التي يقترحها النص نفسه في أثناء الكتابة، ثم في النهاية أقوم بتقنين ذلك في شكل البناء النهائي الذي أرجوه للنص.

فنتازيا
• قلة من الروائيين العرب يتجهون للفنتازيا في كتاباتهم لكنك واحد منهم، وهذا برز في فرضية اختفاء أعمال نجيب محفوظ وهروب شخصياته في دفتي كتاب إلى واقع معيش .. حدثنا عن هذه التجربة وعن أهمية الفنتازيا للرقي بالرواية العربية؟
- لا يمكن أن يهمل كاتب عربي أنه سليل النص الاستثنائي ألف ليلة وليلة، وهو نص كاشف لمرحلة من مراحل الخيال العربي في أوج تحرره وانطلاقه، وبفضل هذا الخيال تحول إلى نص أسطوري قابل للقراءة لمئات السنين، في ثقافتنا وفي ثقافات الغرب.
يظل الإشكال فقط في الكيفية التي نتعامل بها نحن مع النصوص.
أذكر أنني التقيت مصورا فوتوغرافيا فرنسيا حدثني بشغف عن ألف ليلة، لكنني اكتشفت كيف أنه لم يقرأ النص فقط بوصفه مجموعة حكايات خرافية، بل كنصوص لها دلالات واعية كثيرة عن العلاقة بين المجتمع والسلطة مثلا، وعن استلهام الأسطورة في الإسقاط على الواقع وغير ذلك.
أظن أن خصوصيتنا الروائية ينبغي أن تتحقق من تأكيد الخيال الخصب لتراثنا الإبداعي، من جهة، كما أن الخيال والفنتازيا في الحقيقة وسيلة لفتح العقل على آفاق أكثر رحابة واتساعا من حدود الواقع البائس الخانق الذي نحياه، والذي بلغ بؤسه هذا الحد ربما بشكل أساس لانعدام الخيال.


أبناء الجبلاوي
• رغم الاعتقاد بأن غالبية النقاد في الوطن العربي منحازون للمدارس الكلاسيكية إلا أن روايتك "أبناء الجبلاوي" حظيت باهتمام نقدي كبير على المستويين العربي والعالمي؟
- تحركت الرواية ببطء لأنها كانت ذات تقنية مفاجأة .. هي رواية تجريبية، وحداثية وتحتاج لأدوات نقدية مختلفة. وللأسف حتى بعض من كتبوا عنها في البداية كتبوا بشكل تقليدي، في المقابل اهتم بها نقديا كثير من أجيال النقاد الشباب والكتاب أصحاب الأدوات النقدية الحديثة وبينهم مثلا طارق إمام، ومحمود عبد الشكور، وشريف صالح، ويوسف رخا، الذي كتب عنها بالإنكليزية، وسواهم، ومؤخرا أعد الشاعر محمد أبو زيد في موقع الكتابة ملفا رائعا عن مجمل أعمالي، تضمن عددا من القراءات اللافتة لهذا العمل، أضاءت لي حقا الكثير حتى مما لم أنتبه له أنا نفسي في أثناء الكتابة.. أظن أن الكتابة غير التقليدية إبداع يستدعي أقلاما نقدية استثنائية أيضا، مهما تأخر ذلك.

معبد أنامل الحرير

• كان غريبا على قارئ رواية "معبد أنامل الحرير" ونقادها قيامك بأنسنة الرواية وكأنها من لحم ودم ولديها مشاعر إنسانية؟
- بالتأكيد، حين قررت أن أكتب نصا على لسان مخطوط رواية، فكرت بأن الطريقة المثلى لهوية مثل هذا النص، باعتباره، أي النص المتكلم، مختلق بوعي بشري عبر كاتبه أن تمتلك بدورها القدرة على الرؤية والكلام والإنصات، خصوصا وأن هذه هي واقع النصوص المدونة، أفكار تأتي نتاج استخدام الحواس البشرية، وأرجو أن يكون صوت النص المتكلم قد أقنع القراء.

الكتابة عن الكتابة
• القارئ لأعمالك يلمس ولعاً بالكتابة عن عالم الكتابة .. هل هو الخوف من اندثار المعرفة أم ماذا؟
- كنت أقرأ كتابا بعنوان "تعلم الحياة.. سأروي لك تاريخ الفلسفة"، للفيلسوف الفرنسي الشعبي لوك فيري، وكنت سعيدا بفكرة تبسيط تاريخ الفلسفة بالشكل الذي كتبه به، ثم حلمت في ليلة أنني سأموت، وفي الحلم كان أكثر ما يشعرني بالتعاسة أنني سأموت قبل أن أنتهي من الكتاب، أي قبل أن أتعرف إلى ما تهيأ لي في الحلم أنه سر المعرفة.
بعد الحلم كنت أسأل عن مصير ما يحمله المرء من معرفه خلال حياته الأولى في الدنيا، وهل العالم الآخر سيكون مجالا لمعرفة أكثر، ولعل هذا الحلم نفسه يعبر عن هواجسي عن الطريق الطويلة التي قطعتها البشرية في اكتساب المعرفة واستخدامها في فهم الكون، والرعب ليس من اندثارها، بل من عدم استخدامها أو إهمالها كأنها لم توجد أساسا كما نفعل في عالمنا العربي السعيد. هذا هاجس يؤلمني كثيرا في الحقيقة نعم.

ما بين القصة والرواية
• بدأت قاصّاً واشتهرت بذلك، تم تحولت لعالم الرواية لكن بعض النقاد يرون أنك لم تفلت من تقنيات القصة، خاصة في رواياتك الأولى؟
- القصة هي قصيدة السرد الحديث، ومضة الإبداع التي تأتي مثل القصيدة، وبالفعل بدأت قاصا، وما زلت أعتبر فن القصة فنا راقيا يحتاج إلى موهبة كبيرة لإنجازه، لكنني في الحقيقة أيضا كنت مهتما بفكرة كتابة الرواية، وبينما أتأمل أعمالاً عظيمة مثل أعمال دوستويفسكي خصوصا، وهيمنغواي، ومحفوظ وسواهم كنت أرى الأمر مهيبا، ولا تزال ذاكرتي تحتفظ بحوارات قلقة جدا عن كيفية كتابة الرواية على مستوى الحوار الشخصي مع إدوار الخراط رحمه الله مثلا، ومع د. محمد برادة، وسواهما من كبار كتابنا.
أظن أنني كنت أحتاج للتحلي بالشجاعة التي تمكنني من إنجاز نص روائي بشرط أن يمثل إضافة ما لتاريخ الرواية، وربما أخذني هذا التحدي على حساب القصة، ولكن كما تقولين لعلني ما زلت أخلص للقصة بشكل ما ولو في تقنية الكتابة السردية، مع التأكيد على أن أول رواياتي "كهف الفراشات" بنيت على قصة قصيرة باسم "فراشات" ضمن كتابي الأول "باتجاه المآقي".

طقوس
• يبدو الحديث عن طقوس الكتابة كلاسيكيا، لكنْ هناك من لديهم طقوس مغايرة قد تدفعهم لترك مصدر رزقهم أو الانتقال من مكان جغرافي إلى آخر.. هل من طقوس خاصة لك مع البدء بأي عمل أو خلاله مثلا؟
- طبعا أنا استقللت عن عائلتي مبكرا، وارتحلت للقاهرة قبل أن أنتهي من دراستي الجامعية التي أنجزتها وأنا أعمل بالصحافة، وبذلك كان لديّ الحرية في الكتابة في أي وقت يناسبني، لكن كان عليّ الانسجام مع واقع إيقاع الصحافة المهلك، وتعلمت بالتالي أنني قد أضطر ليس للكتابة ليلا، وحيدا، كما اعتدت، بل أن أجد أية فرصة مناسبة للكتابة، وبدأت أبحث عن أماكن مميزة في المقاهي أهرب إليها كلما وجدت وقتا للكتابة، وهذا الحل استمر بعد زواجي حيث أصبحت أكتب دوما في المقاهي بعيدا عن تفاصيل الحياة اليومية وأعباء البنات ... إلى آخره.

الرواية المصرية
• يؤخذ على الرواية المصرية أنها في الغالب معدة سلفا لتتحول إلى عمل درامي أو سينمائي .. لماذا برأيك هذا التوجه وأين أنت منه؟
- طبعا هذا كان مناسباً لمرحلة كان للحكاية التقليدية سطوة كبيرة، وخصوصا حين ساد في مصر منهج الواقعية الاشتراكية الذي يتبنى البحث عن الفرد ومعاناته في المجتمع في المدينة أو الريف، وهو سمة لأعمال محفوظ الواقعية، ويوسف إدريس، وإحسان عبد القدوس، وغيرهم، ولكن النص الحديث مع جيل التسعينيات كان في الحقيقة ضد هذا التوجه، وكان التحدي إنجاز نص لا يمكن تحويله للسينما، وأظنني أنتمي لهذه المدرسة، لكن بعد انهيار النقد في مصر وظهور ظواهر البيست سيللر والاحتفاء بنصوص كتاب تقليديين عادوا للحواديت على حساب التقنية، أو على حساب الأشكال الحديثة في الكتابة، بدا أن هناك رأسمالا معينا يغذي ويوجه مثل هذه الاتجاهات، بل وصل الأمر حتى الآن خارج مصر عن طريق جوائز تمنح للنص الذي يتحول لفيلم سينمائي.. أظن أن أسوأ قراءة للنص المعاصر هي قراءة المخرج السينمائي، ولا أعتقد أن هناك أفلاما خرجت بنفس مستوى الأعمال الأدبية.

تأثـــــر
• البعض تحدث عن تأثرك بساراماجو وهناك من يتحدث عن تأثرك بإيكو أو حتى دوستويفسكي .. ما رأيك؟ وبمن تأثر إبراهيم فرغلي؟
- قرأت ساراماجو، مثل الكثير من جيلي، متأخرا نسبيا، بعد حصوله على نوبل ونقل رواياته العظيمة للعربية، وقرأت لإيكو أيضا، وربما تأثرت به، لكن صعب القول إنني تأثرت بكاتب محدد، فأنا أحب بول أوستر جدا مثلا، وأحب أعمال الإيطالي إيتالو كالفينو، وسرفانتس، الذي تعلمت منه السخرية الأدبية في أرقى صورها، ومن كونراد النفس الأدبي للغة، وذلك الإحساس الذي ينعم على النص بنعمة "الأدب"، ومن د.ه.لورانس، التقمص الدقيق لروح المشاعر الإنسانية وهي تتوالد وتتراكم في أعماق النفس البشرية، وغيرهم، لكن الكتابة هي نتاج اختمار الوعي بنصوص وأعمال وأفكار وفلسفة، والكاتب الجيد الذي يمزج هذا كله ليصنع أسلوبه الخاص وصوته الذي لا يشبه أي صوت آخر.
مع ذلك أظن أن الشروط الفنية التي نفذ بها دوستويفسكي مشروعه الفني هي أكبر ملهم لي في مشروعي في الكتابة، هذا المزيج المبهر بين صنعة الفن وبين الفكر والفلسفة والمعرفة العميقة بنزعات النفس البشرية في حالاتها المتعددة وانقلاباتها المجنونة المدوية أيضا، وساراماجو ليس بعيدا عن هذا بالمناسبة، مع الإشارة إلى اختلاف تكوين الجمل والأسلوب لدى كل منهما بطبيعة الحال.

لعنــــة
• ناشد العديد من النقاد والأدباء في أكثر من مناسبة أصحاب دور النشر إلى التروي كي لا يتحول عالم الإبداع إلى مساحة من الفوضى .. ما رأيك بالكم الهائل من المنشورات مؤخرا؟
- هذه لعنة، الحقيقة ولا أريد أن أصفها بالمهزلة، واليوم باسم الحرية يطالب الكثيرون بأن يترك الأمر للقراء ليفرزوا، فاختلط الحابل بالنابل للأسف، بل إن مهازل عديدة اليوم نراها في صفحات القراء الذين يدلون بدلوهم ويعبرون عن انطباعاتهم عما يقرؤون بشكل سطحي، وبعضهم يصل للابتذال والوقاحة، التي هي كل أدواته النقدية التي يمتلكها، والتي تكشف حجم السطحية التي يرفلون فيها، وإذا لم يعد الاعتبار للنقد الأدبي المنهجي قد تستفحل هذه الظاهرة، لذلك أكرر الدعوة للناشرين العرب والمؤسسات الثقافية العربية الرسمية أن تسارع إلى توسيع نافذة النقد، كما كان عليه الأمر في السابق حيث كانت مجلات مثل "القاهرة"، و"إبداع"، و"الكرمل"، و"الآداب"، وسواها تقدم مساحة كبيرة للنقد، جعل منها روافد أساسية للنقد الأدبي .. نحتاج لمنابر نقدية متخصصة مثل فصول، لكننا أيضاً وأساساً نحتاج لمنابر سيارة وشعبية للنقد لعلها تكون وسيلة لفتح الباب أمام جيل جديد من النقاد العرب.
رواية مصاصو الحبر للفتيان، وصلت للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد

جديد فرغلي
• أخيراً .. هل من مشاريع ابداعية بدأت تلوح في الأفق؟
- عادة قبل أن أنتهي من أي نص أكون قد فكرت في نصين مختلفين، وقد شرعت بالفعل فيهما، واستقررت على النص الذي سأستمر فيه حتى يكتمل، ولدي نية لكتابة جزء ثالث من روايتي المتواليتين "ابتسامات القديسين"، و"جنية في قارورة"، وأتمنى أن تصدر الثلاثية في كتاب واحد، وطبعا بدأت في رواية جديدة للفتيان لسن 12 – 14 عاما.
نشر هذا الحوار في القسم الثقافي "أيام الثقافة" في صحيفة الأيام الفلسيطنية في فبراير شباط 2016

No comments:

Post a Comment