تغريدة
أفيروس!
إبراهيم فرغلي
كانت اللغة العربية لغة العلم، وعنها نقل الغرب بذور نهضته، وظل يتداول
اسماء بعض أبرز العلماء العرب كما عرفها آنذاك، بنطقها اللاتيني. فابن رشد هو
"أفيروس"، إبن باجه "أفيمبيس"، إبن سينا "أفيسينّا"،
إبن طفيل "أبوباكير"، وغيرهم. وخصوصا من تم ترجمة أعمالهم خلال القرنين
الحادي والثاني عشر.
واليوم لا تعد اللغة العربية لغة من اللغات التي تنقل عنها العلوم، وإذا
أثيرت القضية انتقل النقاش فورا إلى "تعريب العلوم"، وأصبح الجدل حول
جدوى تعريب العلم في أوساط عالمية تستخدم مصطلحات علمية عالمية متفق عليها، على
الرغم من أن روسيا لها لغتها العلمية، وفرنسا والصين وغيرها.
أما في العالم العربي فالاتجاه الشائع الآن هو تفتيت اللغة العربية إلى
اللهجات العامية. إذن في حالة إنتاج العلوم والفكر، إذا شاعت اللهجات العامية على
حساب الفصحى، فإلى أين يمكن أن تذهب بنا اللهجة العامية بديلا للفصحى؟
أطرح السؤال كلما تأملت النصوص التي تحتفي بالعامية في الصحافة أو
الإنترنت، أو في النصوص المكتوبة. ليس لأنني لا أستسيغ هذه النصوص في الحقيقة
بل بسبب الأفق الضيق الذي تدور فيه.
والأفق الضيق هنا لا يعود إلى المخزون الثقافي والدلالي المحدود للهجة المحكية،
التي تعتمد على اختيار مفردات يقصد بها معاني ودلالات أخرى فقط ، بل يتجاوز ذلك
إلى محدودية قدراتها الدلالية في النقد أو الفكر أو العلوم أو الفلسفة، أو حتى
الفقه، على الرغم من نجاح بعض التجارب الشعبية في التفسير مثل تجربة الشيخ
الشعرواي.
الشاعر المغربي محمد بنيس يرى أن هجر اللغة العربية من أهل اللغة والأدب، لن
تؤدي إلا إلى احتكار التيارات الإسلامية المتطرفة للغة العربية وجعلها وعاء لتلك
الأفكار. وبالتالي ارتباط الفصحى بها.
من جهة أخرى لفت انتباهي الفيلسوف الهندي أمارتيا سين في كتابه
"الهوية والعنف" إلى أن هذا التلاهي باللغات المحلية، وجعل الفصحى لغة
للفقه وعلوم الدين وخطاب الاعتدال أو التطرف الديني، ليس بعيدا عما بدأت به هذا
المقال. فهذا ما نجح الغرب أن يلهينا به، حين صور لنا أن أزمتنا الأبدية أننا
متخلفين، وأن تخلفنا يعود لخطاباتنا الدينية المتشددة، وبالتالي لا مخرج لنا من
مأزقنا إلا بجعل اللغة مجالا للتفيقه والإصلاح الديني، وبهذا جعل من لغتنا محلا
للجدل والخلاف الفقهي والديني، ولكنها ليست لغة العلوم البحتة أو الرياضيات أو
التقنيات الحديثة، فهذه لغة لا تمتلك إمكاناتها إلا لغات الغرب صانع الحضارة.
مقالي في "القاهرة" 17 مارس 2015
No comments:
Post a Comment