Monday, January 26, 2015

ثقافة التخفي


تغريدة 5
ثقافة التخفي!



قبل ما يناهز ثلاثة عقود تقريبًا قرأت مجموعة "الموت يضحك" للقاص المبدع الكبير محمد المخزنجي. وفي واحد من نصوص الكتاب تناول سيكولوجية السِتْر عبر قصة شخص أراد أن يعتزل العالم، فاختبأ في ثياب منقبة، حتى تحول الأمر لديه إلى رغبة في الهروب المستمر من الحياة.
منذ قرأت تلك القصة وأنا أنظر لكل منقبة باعتبارها مشروعا للهروب من الحياة، لإخفاء الهوية، لاعتزال العالم، للقبول بتصنيف ذكوري يصنفها في مرتبة أدنى، للقبول بالتهميش، للقمع الذاتي، وغير ذلك مما تطرحه ثقافة التخفي.
حين ذكرت الأسبوع الماضي أن الإصلاح الديني يقترن بتحرير الجسد، سألني صديق وكيف نحرر الجسد؟ وهذا سؤال مهم سأعود إليه مرارا، لكني أود التوقف عند جانب رئيس في موضوع النقاب باعتباره يجسد جوهر فكرة قمع الجسد العربي ذاتيا عبر أفكار مغلفة بالدين، ويتعلق، في الوقت نفسه، بجوهر فكرة تحرير الجسد.
وبعيدا عن الجدل النصي والنقلي، وإعمالا للعقل، انطلاقا من أن الشرائع السماوية لا يمكن لها أن تناقض العقل، فلست أظن أنه من العقل، حين نطالب بدساتير تقول بالمساواة التامة بين المواطنين، ألا تفترض هذه المساواة بالضرورة الاتفاق على أن المرأة قادرة على القيام بكافة ما يمكن أن يمارسه الرجل من أعمال. وفي هذا العصر لا يمكن أن نتصور أن طبيبة متخصصة في جراحات القلب مثلا يمكنها أن تقوم بعملها متسربلة بالنقاب، لا ترى جسد مرضاها بشكل واضح، وتتقيد حركتها، مع التأكيد على أن الرداء المخصص للطبيبات لا يمكن أن يتنافى مع المتعارف عليه من مظاهر الاحتشام المتفق عليها. وقس على ذلك مئات الأمثلة.
ولعل ما يزيدني تأكدا من أن الأمر يخضع للاعقلانية أكثر من الذرائع التي تتمسح في الدين، ما نراه من إصرار المدافعين عن النقاب على البحث عن المبررات الدينية، وتأكيد الطابع النقلي، لا العقلي، في تعديد المبررات، بينما تجد نفس هذا الفريق حين ينتقل إلى المجتمعات الغربية، وقد استند إلى مبررات أخرى؛ احتماء وتملقا لقوانين الحرية المفروضة هناك.
يريد أهل النقاب، والمنادون بالدولة الدينية معا فرض دعاواهم على الغرب باسم الحرية، من دون الانتباه إلى أن انتهازيتهم هذه تتعارض مع المفارقة في أن فكرة النقاب، بوصفها وسيلة قمع جسدية للمرأة وقدراتها، ونفي للمساواة، تتنافى مع جوهر مفهوم الحرية عن المرأة وعن الحياة. وهذا مكمن الصراع الذي سيبدأ في الغرب ضد الإسلاميين وصاعدا.  


No comments:

Post a Comment