تغريدة
الإرهابي الأنيق!
إبراهيم فرغلي
نشهد اليوم خارطة
إرهابية جديدة، مركزها الجديد تنظيم غريب لا يعلم أحد، على وجه الدقة، من أين ظهر هكذا
فجأة، أو من الذي منحه كل تلك القوة وسمح له أن يؤسس ما يسميه دولة الخلافة الإسلامية
تحت أعين وبصر الغرب بكل قواه العاتية. وبالرغم من كل الشكوك وعلامات الاستفهام تمكن
التنظيم المريب المسمى "داعش" من فرض نفسه على الساحة الدولية، إعلاميا على
الأقل، بديلا، أو ربما كلغم إضافي من ألغام الإرهاب الذي جسدته وفجرته منذ نهاية سبعينات
القرن الماضي تنظيمات مثل الجهاد، والتكفير والهجرة، والجماعة الإسلامية التي برزت
بعد نجاحها في قتل السادات. ثم بدأت بشائر منظمة القاعدة التي تسلمت الراية، ووصلت
ذروة شهرتها مع تفجير برجي التجارة العالميين. وها هو تنظيم داعش يتجاوز كل تلك الجماعات
والمجموعات بممارسات أعضاءه الوحشية ضد المختلفين معهم، إما بذبحهم وسبي نسائهم أو
قتل أطفالهم وتهجير ذويهم، محولة الدماء والقتل إلى ما يشبه نزهة ممتعة وليس جريمة
تستباح فيها الدماء والأعراض، ويستخف خلالها بكرامة البشر ومصائرهم.
وما يعنيني هنا
هو الجذور والبذور التي تغلغلت في ثقافتنا العربية وفي الذهنية لكي تبرر وتجد في هذه
الجرائم مسوغا مقبولا باسم الدين. وأظن أنها كلها تندرج تحت عنوان عريض هو "الرقابة".
حاولت ثقافتنا
في عصور الانتقال إلى الحداثة إسباغ صيغة مدنية على الإصلاح الديني، وفي تلك المحاولة
المشوهة التي لم تستوعب أن الحداثة ثورة على منظومة نقلية عقيمة، لحساب إحياء قيم العقلانية
والتفكير بلا محظور، أرادت الحكومات المتعاقبة منذ أيام الملكية، ومرورا بالحكم العسكري
الشمولي في عهود عبد الناصر والسادات ومبارك، بمحاولة إيجاد مسوغات "أحلاقية"
و"دينية" لسلطاتها ولشرعيتها التي كانت تقوم على المبادئ الديكتاتورية الشمولية
التي تعتبر الحكم حقا مدى الحياة، عبر مغازلة المؤسسات الدينية الرسمية من جهة، ومغازلة
تيار الأخلاق العام في مجتمع يشيع عنه الاتصاف بالتدين، من خلال خلق مؤسسات "الرقابة".
بذلك أسست الدولة
مؤسسة "تكفير" مدنية نصبّت بها نفسها حكما على الأخلاق والأفكار والفن والأدب،
واختلقت طائفة جديدة من أصحاب الوصاية على البشر والإقصاء، اعتمروا طربوشا ليخفوا به
العمامة.
وهكذا عبر شرعَنة
و"مديَنة" فكرة الرقيب في العالم العربي، تأسست شرعية التكفير، التي راح
ضحيتها نماذج عديدة من الضحايا من المثقفين إما قتلا واعتداء أو ازدراء وتكفيرا، وصولا
لما نراه اليوم لما يحدث لجموع البشر على يد داعش وأخواتها. لذلك ففي تقديري أن الرقيب،
مهما أسبغ على سمته من سمات العصرية هو مثل أعلى ونموذج لكل اصحاب الفكر المتطرف ومدعي
الوصاية على الأفكار والأخلاق والعقائد والحريات الشخصية.
زاوية أسبوعية في صحيفة "القاهرة" بعنوان "تغريدة"، وهذه التغريدة الأولى نشرت الثلاثاء 23 ديسمبر 2014
No comments:
Post a Comment