المتاهة كرواية
فالنص وفقا لأمبرتو إيكو، وهو تعريف يروق لي كثيرا: "جهاز الغاية منه انتاج قارئ خاص به. وهذا القارئ ليس شخصا قادرا على طرح تخمينات تكون وحدها دون غيرها جيدة: الأمر على عكس ذلك، يمكن للنص أن يتوقع قارئا نموذجيا له الحق في إسقاط تخمينات لا متناهية".
كنت قد قرأت كتابا مهما أيضا للمفكر الأمريكي الماركسي ديفيد هارفي "حالة ما بعد الحداثة.. بحث في أصول التغيير الثقافي"، وهو يتتبع، بين عناصر وروافد أخرى كثيرة، تأثير التطورات الاقتصادية في العالم، انطلاقا من تكون بذرة الرأسمالية في الولايات المتحدة، وانعكاسها على المنتج الثقافي وتسليعه. وبين ما تناوله الفروق بين الحداثة وما بعد الحداثة، وكيف أن التشظي، لا الانسجام، أصبح ملمحا من ملامح ما بعد الحداثة، وفكرت أن تطبيق ذلك روائيا لا يمكن أن يتحقق في نص منسجم، بل في نص متشظ، لكن ما يبدو متنافرا في النهاية يعبر عن أفكار متجانسة.
وتأتي الحيلة السردية برواية داخل رواية كحل أساسي للسرد المتشظي، وعبر تعدد أصوات الرواة على يد قرائن الشخصيات أو أشباحها أو أطيافها. أما من حيث المضمون فهناك تقاطعات كثيرة بين فكرة الأجيال مثلا في مجتمعات تتغير فيها القيم بتناول فكرة الأب وسلطته، أولا من خلال علاقة الكاتب نفسه بنجيب محفوظ كأب روائي، ثم عبر علاقة البطل "كبرياء"، اللقيط الذي لا يعرف لنفسه أبا، مع جده الحقيقي، رفيق، والذي يرتبط به ويدون سيرته بوصفه خطاطا، من دون أن يعرف أنه جده لأبيه، كما تتحقق الحيلة السردية أيضا في تأملات جانب من رواية كاتب الكاشف؛ مؤلف شخصية كبرياء، على فكرة سلطة الأبوة في عدد من أعمال محفوظ أهمها الثلاثية وقلب الليل والحرافيش وأبناء الجبلاوي.
No comments:
Post a Comment