Monday, January 11, 2016

راشومون أسطورة الشخصية اليابانية

Ibrahim Farghali: أسطورة الشخصية اليابانية: من ترجمة كامل يوسف حسين "راشومون" لأكوتاجاوا..أسطورة الشخصية اليابانية بحس عالمي إبراهيم فرغلي يكشف المترجم كا...


من ترجمة كامل يوسف حسين
"راشومون" لأكوتاجاوا..أسطورة الشخصية اليابانية بحس عالمي




إبراهيم فرغلي

يكشف المترجم كامل يوسف حسين عن درة جديدة، لم يُنتبه لها جيدا في مختارات قصصية للكاتب الياباني الراحل رايونوسوكي أكوتاجاوا بعنوان "راشومون" الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة. وهي كما يوضح المترجم الترجمة العربية الأولى لأي من أعمال هذا الكاتب المثير للجدل، الذي انتحر عن عمر لم يتجاوز 35 عاما في العام 1927، ويبدو أن وفاته المبكرة، إضافة إلى ما أشيع في الثقافة اليابانية عن جهامة وكآبة قصصه قد أثر على انتشاره خارج اليابان.
تضم المجموعة القصصية التي تأخذ عنوان "راشومون" ست قصص فقط، لكنها تكشف اقتدار كاتبها في اختلاق أسلوب سردي خاص، وفي التعامل مع اللغة بصياغة تميل للإحكام والاقتصاد.
تُحيل القصص إلى عوالم مزيج من الواقع والأسطورة يستبدلان أدوارهما ببراعة، ترسم فيها الشخصيات بمقابلة بين الشكل الخارجي وما يدور في دواخلهم، وهذا ما يجعلنا نستعيد نصوصا لكتاب عالميين كبار عرفوا في مهارتهم التي خلدت نصوصا لامعة من فرط الحس الإنساني الذي اسبغوه عليها مع العناية بالشكل الفني.
قصص راشومون تلتمع بألق خاص، تعتمد على التشويق والغرابة، والولوج إلى باطن الشخصيات الإنسانية في عمق لتتكشف لنا صراعاتهم النفسية، وأحلامهم أو أوهامهم التي ترسم في النهاية لوحات قصصية نافذة عن التمزق الذي يعيشه الفرد في صراعه بين التقليدي والحديث، الماضي والمستقبل، الهوية وقيم الحداثة، الأصالة والزيف.
القصة الأولى في المجموعة التي تحمل عنوان "في غابة" تتوسل أسلوبا حداثيا تماما، بعيد عن وسائل السرد التقليدية التي كانت تسود في مطلع القرن الماضي، حيث تُحكى القصة من وجهات نظر شخصيات عدة، لتسم النص بوسم ما بعد حداثي سبّاق لعصره. ثمة جريمة قتل، وشكوك، ومخاوف، وتحقيق، وشخصيات تتعاقب لتروي ما تعرف، فيما الحقيقة والقاتل يخاتلون مخيلة القاريء حتى اللحظات الأخيرة التي تأخذ مسار النص إلى ما وراء الواقع الذي فيه فقط قد تجلو الحقيقة فيما يظل الواقع مساحة للشك.
النص الذي استوقفني على نحو خاص يحمل اسم الكتاب نفسه "راشومون" ؛ إذ يختزل عوالم وقيما وتناقضات كبيرة في عدد قليل جدا من الصفحات، ويجمع، إضافة إلى كل ذلك، قدرا من المشهدية التي تجعل استعادة القصة، بعد الانتهاء من قراءتها، كاستعادة مشهد سينمائي تدور وقائعه على درج حجري عتيق، في عتمة ليلية زرقاء مغلفة بالضباب. هذه المشهدية المرسومة بإحكام واقتصاد تتضافر مع المعنى العميق من قصة خادم الساموراي الذي ذهب، هربا من المطر والبرد، إلى راشومون؛ أكبر بوابة في كيوتو؛ عاصمة اليابان القديمة، التي تحولت، مع انهيار كيوتو، إلى مأوى للثعالب وللصوص وقطاع الطريق وللشحاذين، وللجثث التي لا يتعرف عليها أحد. وفي تلك الأجواء المخيفة يرى عجوزا تسطو على الجثث، فتتطور الأحداث على نحو درامي.
ويبدو أن هذه المشهدية والأحداث المقتضبة جدا الصارخة بالدراما في الوقت نفسه كان لها دور حاسم في اختيار المخرج الياباني الشهير كوراساوا لعمل فيلمه الشهير الذي اتخذ اسم "راشومون"، مستندا الى هذه القصة مع القصة الأولى السابق الإشارة إليها "في غابة".


 القصة الثالثة التي تحمل اسم "عصيدة إليام" هي قصة تصور الفوارق الطبقية في الإمبراطورية اليابانية القديمة، وروح المذلة التي اتسم بها الموظفون والفقراء في الامبراطورية القديمة، وسخرية النبلاء من هذه السمات. نص لا يخلو من الحس الساخر الذي يذكرنا بروح تشيكوف في رسمه  لنماذج الموظفين الروس والشخصيات البسيطة التي تدور اهتماماتها على عدم الإساءة لاصحاب المراكز والنفوذ، لكنها تزيد عن القص الروسي بطابع من الاسطورة أو السحرية التي تسم قصص أكوتاجاوا جميعا على ما يظهر في هذا الكتاب. مع ذلك فإن موضوع هذه القصة بدا لي  متقاطعا مع النقد الذي مثلته روح الثورات العربية الراهنة للشخصية العربية التي تصالحت طويلا مع الفساد والقمع بسبب الخوف وانهيار الطموحات لحد الكفاف والعيش في سلام واستقرار مزيفين.


تعكس قصة "الضحية" ولع أكوتاجاوا بالأساطاير اليابانية القديمة، ومحاولته إعادة صياغة الكثير منها، في شكل عصري، وهي قصة تعتمد غالبية العناصر الأساسية لنصه من حبكة وتشويق وألغاز لا يماط عنها اللثام إلا لاحقا، وتدور في معبد بوذي قديم، بطلها صبي لقيط يصبح خادما للكهنة وللمعبد ويحظى بحب الجميع حتى تدركه لعنة بوشاية عن خطيئة ارتكبها، ومع غياب اي دليل قد يجعل أي شخص يصدق أن مثله قد يقترف أية خطيئة فإن عدم إنكاره للأمر يجعل منه إقرارا ضمنيا به.
كما كل نصوص هذا الكتاب لا تكتفي أي منها بالاستمتاع بالسرد وغرائب الواقع وامتزاجه بالخيالي، بل تجعل الأسئلة الأخلاقية والفلسفية تتوارد على ذهن القاريء دون أية مباشرة من جهة الكاتب.
هذه الأسئلة هي قوام قصتي "كيسا وموريتا" و"التنين"، اللتين يتذيل بهما الكتاب، وهما قصتان يبتعثان اسئلة اخلاقية لها قوتها بما تشكله في مجتمع قائم على تقاليد عريقة، وعلى الحكمة، والتعاليم البوذية الكهنوتية، إحداهما تناقش تناقضات القيم الأخلاقية في المجتمع العصري المنتقل من التراث إلى الحداثة، بينما الثانية تتأمل القيم الدينية ذاتها إذا تعارضت مع روح العقل، وتسخر من الخرافة لصالح تلك القيم الجديدة.
تبقى اشارة الى ان هناك جدل كبير في الأدبيات المهتمة بالأدب الياباني المعاصر حول قيمة هذا الكاتب، لدرجة إغفاله لدى بعض الكتب التي صدرت بالإنجليزية من قوائم الإبداع المعاصر، وهو جدل يشير لأسبابه وبعض شواهده كامل يوسف حسين في تصديره لهذه الترجمة، قبل أن يضيف "من وجهة نظري، باعتباري كاتبا عربيا يعاني الحيرة والتمزق في صدر الألفية الثالثة، فإن أوكوتاجاوا يهمني ويعنيني، فعلى الرغم من أنه لم يكن كاتبا سياسيا بالمعنى الواضح إلا نه كان شديد الإدراك للتزق الروحي الذي صاحب التحديث الياباني على الطريقة الغربية. لم يكن ما يعاني منه حنينا موجعا الى اليابان التقليدية، فعلى الرغم من استلهامه لبعض مادته منها انما كان جوهر ما يسعى اليه هو تلك الديناميات الهائلة التي يمكن ان تنقذه من الشعور بالاغتراب الذي افضى الى تمحور الكثيرين حول ذواتهم.
ربما لهذا بالضبط يهمني وصف أكوتاجاوا الدقيق والتفصيلي لعذابه الذهني والروحي الذي أفضى به في نهاية المطاف الى الانتحار، حيث تحس عبر سطوره بالحياة وهي تستنزف منه قطرة فأخرى حتى النهاية من دون أن يبقى شيء إلا العقل الذي يتبدى صافيا على نحو ثلجي رهيب حينما ينداح إلى الهلاوس أو منها".

 نشرت في صحيفة النهار - بيروت  

Saturday, January 9, 2016

فايز علام يكتب عن معبد أنامل الحرير


معبد أنامل الحرير 
الفن في مواجهة الرقابة والموت 

فايز علام - رصيف 22
اعتدنا في الروايات أن يكتب الكاتب الرواية ليقصّ علينا سيرة الأبطال وحكاياتهم، لكن إبراهيم فرغلي في روايته الجديدة "معبد أنامل الحرير"، يأبى إلا أن يغيّر ما اعتدناه. فيسلّم الرواية نفسها مهمة الكتابة عن الكاتب، ومهمة كشف ذاتها أمام القارئ لتقصّ عليه ما بداخلها. هكذا يؤنسن الرواية ويمنحها صوتاً ويسمح لها بأن تأخذنا إلى أجواء غرائبية تمتزج فيها بضعة عوالم.
من خلال رواية كبيرة تخفي بداخلها فصول رواية ثانية، يحكي الكاتب قصة نصٍّ روائي متروك على متن زورق في البحر، من دون أن يعلم أين اختفى صاحبه. "في الساعات القليلة التي سبقت اختفاءه كان قلقاً، متوتراً. أخرجني من درج خشبي معتم، ثم دفسني بين أغراضه في حقيبة يد حملها على كتفه، ألقى بها على أرض قارب صغير كان موثوقاً بحبل غليظ يربطه بالباخرة. وبعد أن حلّ عقدة الحبل، جلس في موضع يتيح له الإمساك بمجذافي القارب، وظل يجذف بقوة ودأب حتى ابتعدنا عن السفينة".
في رحلة البحث عن صديقه المختفي يعثر قاسم على النص الروائي، يحتفظ به في غرفته، ويبدأ بقراءته أثناء الرحلة البحرية للعثور على رشيد كاتب النص، فنصبح أمام ثلاث روايات متداخلة، الأولى هي الرواية التي كتبها رشيد ووضع لها عنوان "المتكتم"، والثانية هي الأحداث التي ترافق رحلة السفينة وبحث قاسم عن صديقه، والثالثة هي حكي الرواية عن نفسها، عن وعيها لذاتها بوصفها جنساً أدبياً، وعن سيرة كاتبها المختفي.
هذه الروايات المتداخلة تشكّل كلاً منها عالماً قائماً بذاته، ففي رواية "المتكتم" يأخذنا الكاتب ضمن أجواء فانتازية شديدة الغرابة، ليحكي قصة مدينة تحت الأرض يسميها "مدينة الأنفاق"، يهرب إليها كل من ضاق ذرعاً بالحياة فوق الأرض، حيث مدينة الظلام التي سيطر عليها المتكتم وأعوانه، وفرضوا رقابتهم على الكتب والموسيقى والسينما، وحرية الجسد والفكر وكل شيء. تدين هذه الرواية الرقابة بجميع أشكالها، وتبيّن آثارها المدمرة على الناس والمجتمع، وعلى الثقافة والتطور، وكيف أن كل واحدٍ من العاملين في تلك المؤسسة يتحول إلى شخص شكّاك، أو واشٍ بغيره لينال حظوة.
يهرب كيان، وهو واحد من الرقباء الذين أدركوا فداحة ما يفعلونه، إلى مدينة الأنفاق، وينضم إلى جماعة النسّاخين الذين يحاولون الحفاظ على الكتب الممنوعة بإعادة نسخها، ويرصد من خلال وجوده هناك طبيعة الحياة والنشاطات التي تحتفي بالحرية بأكثر من طريقة، ناقلاً النقاشات التي تدور بينهم حول كيفية مقاومة المتكتم في مدينة الظلام، وإيقافه عن تحويل البلد إلى خراب، إلى أن يجدوا أخيراً طريقة مبتكرة لفعل المواجهة ذاك. "بعد تفكير قرر طرح مشروع مبدئي للثورة، يتم خلاله نسخ النصوص الممنوعة على الأجساد البشرية، وتم الاتفاق على أن يبدأ الأمر بجسد السيدات لإحداث صدمة أولاً، ولأن مهاجمة السيدات لن تكون بسهولة الهجوم على الرجال، قال موضحاً إن السيدات سيخرجن إلى مدينة الظلام وهنّ متشحات بالسواد ولكنهن في أماكن بعينها، ووفق تنظيم محدد وفقاً للنصوص سوف يخلعن ثيابهن فجأة ويقفن في حشد ضخم".
يبني فرغلي روايته بشكلٍ تتشابك فيه الحكايات والأفكار المتعددة، وكأننا داخل متاهة، كان باب الدخول إليها حبكة واحدة تتمثل في البحث عن كاتب، لكن استمرار التقدّم في كل ممرٍ فيها يقودنا إلى ممرات أخرى، وهذه الحبكة تتفتح فيها حبكات فرعية جديدة كلما توغلنا في السرد. فالسفينة التي يبحر عليها قاسم تضمّ عدداً من الشخصيات المختلفة، وتجري على أرضها صراعات وأحداث كثيرة، ينقلنا الكاتب بينها جميعاً، ولا شكّ أن الجهد البحثي المبذول للإحاطة بجميع هذه المسائل كان كبيراً جداً، خصوصاً أنها مواضيع، بعضها بعيد عن مجتمعنا، ومن هذه المواضيع: عالم القراصنة، والمخطوطات النادرة وأنواعها، وعصابات تهريب اللاجئين غير الشرعيين، والنزاع بين الصومال وإثيوبيا وانعكاساته على الناس، والمثلية الجنسية.
يُظهر الكاتب كيف أن ما يمر به الروائي في حياته الواقعية من تجارب ووقائع ونقاشات يؤثر على مسار نصه الروائي الذي يكتبه، وأن بعض الأحداث المتخيّلة التي يكتبها هي معادل لأحداث حقيقية في الواقع. وقد نجح الكاتب في إيصال هذه الفكرة، من خلال تقطيعه كلام الرواية عن نفسها، وعن ظروف كتابتها، والمواقف التي عاشها صاحبها، ووضعها بين الفصول التي يضمها متنها، مبيّناً كيف أن علاقة كاتب الرواية العاطفية مع فتاة ألمانية والتقلبات في هذه العلاقة، قابلتها علاقة الشخصيتين الرئيسيتين في رواية "المتكتم"، وكيف أن تعرّض الكاتب لموقف تاه فيه في بناء ضخم يشبه المتاهة، قاده إلى كتابة مشهد يتوه فيه البطل في مدينة الأنفاق، وزيارته لمعبد بوذي أوحى له فكرة "معبد أنامل الحرير"، الذي يجري نسخ المخطوطات فيه.
ربما تبدو هذه الرواية مرهقة بحجمها الكبير وبتنوّع عوالمها وأسلوب كتابتها، لكنها مع ذلك يجب أن تقرأ، لأنها على الرغم من أجوائها الفانتازية، هي شديدة القرب من المواضيع الشائكة التي تؤرقنا اليوم، سواء في موضوع الشرق والغرب وأفكارنا عنه، أو في بحث الإنسان عن الهوية، أو في التعصب الأعمى وآثاره. والأهم أنها رواية تنتصر للفن، وللحرية بجميع أشكالها، وتؤكد من جديد أن الفن يبقى حتى لو غاب صاحبه.
إبراهيم فرغلي، كاتب مصري من مواليد عام 1967. حاصل على إجازة في إدارة الأعمال من جامعة المنصورة. عمل في الصحافة في عدد من الصحف والمجلات العربية. له ثلاث مجموعات قصصية: "باتجاه المآقي"، "أشباح الحواس"، "شامات الحسن". وروايات للفتيان منها: "مغامرة في مدينة الموتى"، "مصاصو الحبر".
وله خمس روايات: "كهف الفراشات"، "ابتسامات القديسين"، "جنية في قارورة"، "أبناء الجبلاوي" التي فازت بجائزة ساويرس - فرع كبار الكتّاب عام 2013، "معبد "أنامل الحرير".

Tuesday, January 5, 2016

طارت رقاب


تغريدة

طارت رقاب!



إبراهيم فرغلي



لا يظنن أحد في المنطقة أن الرقاب التي طارت على يد الدواعش ذبحا قد غابت عن المشهد، فلا أظن أن أرواح ضحايا  القتلة وداعميهم سوف تحلق بعيدا قبل الثأر مما لحق بها من ظلم؛ قتلا وحرقا وسبيا واغتصابا.
طارت الرقاب لكنها تحلق حولنا، كما قد يرى كل ذي بصيرة، ولن تترك أحدا من ذابحيها أو داعميهم، بالسلاح أو الفتوى أو حتى مجرد التضامن إلا بعد أن تحصل على حقها منه، كما تقول وقائع التاريخ.
 لذلك فإعادة حقوق أصحاب الأرواح المزهوقة باسم الطائفة أو الدين أو المذهب، تتحمل مسؤوليتها اليوم المؤسسات الدينية التي تتعامى عما يحدث من تلك العصابات التي تعيث فسادا في الأرض العربية، خصوصا في العراق وسوريا، وما حولهما، وتنتفض لكلمة فكر يقولها رجل حر، يريد أن يعيد للفكر الحر مكانته التي حرصت عليها الدولة الإسلامية في فترات مجدها.
لا يمكن أن نفهم أن دولا في المنطقة العربية، تدعي أنها تحارب الإرهاب بينما أنفقت المليارات لنشر الفكر الجامد والمتخلف، وفرضت الوصاية الفكرية على العالم العربي كله باسم الدين، وجردت أرض الاختلاف والحوار والتعايش من أجل تصحير الوضع الثقافي العربي كاملا من أجل مصالحها، التي يبدو جليا أنها كلها اليوم معرضة للتبدد في ظل ما تشعله من حروب طائفية في المنطقة.
إن صمت أي مثقف اليوم على جرائم إرهاب الثقافة والفكر باسم الدين ليس إلا لونا من التضامن الضمني مع الإرهاب الذي تعلن دولا أنها تحاربه بينما هي تفرخه من جهة أخرى بالأفكار، وتدعمه بالمال والسلاح.
لا يمكن أن يعلن رئيس الجمهورية المصري أنه لا أمل في المستقبل من دون تطوير الخطاب الديني، ثم يباغتنا رجال المؤسسات المفترض أن تتولى هذا التطوير بالدعوة لسجن مفكر أو كاتب مثل إسلام البحيري. وهي في تقديري رسالة مضادة لدعوة الإصلاح، مهما قيل في تبريرها، وهو ما ينطبق على سجن أو الدعوة لإعدام أي شاعر أو مثقف أو كاتب عقابا له على رأيه، ليس في مصر وحدها فقط بل وفي كل دولة عربية أخرى.
لم تعد المنطقة تمتلك رفاهية استحلال دم البشر، باسم الدين أو الفضيلة، بينما ما يتم في الحقيقة هو ذبح مناهج العقلانية والتفكير الحر، ودعم الأفكار التي تغذي الجمود العقلي وتقتل التعايش وتذكي نار الطائفية.
لا يود البعض تصديق وجود مؤامرة غربية لتقسيم المنطقة، وهذا شأن من يتعامى عما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن، لكن دماء الناس هناك ليست مياه، وأرواحهم ليست لعبة في أيدي مراهقي الثورات الذين لا يميزون بين الفعل الثوري وبين السياسة، ولا يدركون من الاثنين إلا لماما. وبالتالي لا يقدرون حقيقة المخاطر التي تحيط بالمنطقة العربية كاملة بسبب أنانيتهم، بدلا من مراجعة أسباب فشلهم، وتنسيق جهدهم لدعم عمل مدني حزبي يحقق الديمقراطية المطالبين بها. ولذلك ايضا على الدولة أن تراجع ملفات الموقوفين في قضايا الرأي.
نار الطائفية التي يشعلها البعض اليوم عن سوء تقدير أو عن قصد تحتاج إلى تضافر جهود المثقفين لفضح هذه الأفعال وإدانتها لأن الثمن أكبر من قدرة أي طرف على احتماله.





نشرت في القاهرة الثلاثاء 5 يناير 2016


Wednesday, December 30, 2015

ثورة ثقافية


تغريدة

ثورة ثقافية

إبراهيم فرغلي




يعييني التفكير يوميا في الكيفية التي يمكن أن ينجو بها الجيل الجديد الذي يتفتح وعيه اليوم فيرى على الشاشات هذا الكم من الفضائح والجهل والتفاهة التي تقدم بوصفها برامج تلفزيونية، والذي يشاهد البلطجية باعتبارهم النماذج، ولن أقول القدوة، على شاشات السينما وشاشات القنوات الخاصة، بوصفهم إعلاميين أو نوابا برلمانيين أو حتى أحيانا مسؤولين. 

جيل سيئ الحظ لأنه حتى لو أغلقت من أجله الشاشات
فبمجرد أن ينزل إلى الشارع أيضا سيتعلم السباب من اللحظات الأولى، وسيرى أن ثقافة الكراهية والإقصاء محمولة في النفوس وتنفجر يمينا ويسارا في الطرقات والأزقة، وسيرى أقرانا له في مثل عمره وهم يستبيحون أعراض الفتيات والسيدات بلا تمييز أو تفريق.
أين المفر؟ وكيف يمكن أن نحمي جيلا جديدا من هذا المناخ الموبوء والفاسد القادر على إنتاج أجيال أكثر ضحالة وسطحية وتفاهة؟
ومع ذلك، وبرغم كل هذه القتامة،  فلا يمكنني أن أفكر من دون اعتبار للمجتمعات التي تجاوزت محنات كهذه. وصفحات التاريخ ممتلئة بالدروس لمن يود أن يفهم دروس التاريخ، وكم من شعوب اتحدت فيها إرادتها بإرادة الدولة وتجاوزت محنها الأخلاقية والاجتماعية لكي تصبح مجتمعات إنسانية يتعايش فيها الناس، لكنها  دول ومجتمعات تجاوزت السلبيات التي تماثل وأحيانا تفوق ما نمر به اليوم باتحاد إرادة الدولة ورجال الأعمال ورأس المال الخاص.

لا يمكنني إلا أن
أكون متفائلا ولو كره الكارهون، لأنني مثلا على يقين أنه لو تمكن رجل أعمال، أو أكثر بطبيعة الحال، من استثمار أمواله في قناة تلفزيونية تنظف عيون الناس وآذانهم ببث الموسيقى الكلاسيكية الرفيعة، ورقصات الباليه، التي كانت في السابق جزءا ثابتا من البرامج التلفزيونية الحكومية، وتطلعهم على تراث الموسيقى الشرقية لكان ذلك جزءا من الرسالة التي ينبغي أن تقدم الآن وهنا.
وإذا تمكن وزير الثقافة من التنسيق مع وزارة التعليم بحيث تصبح الثقافة والفنون والآداب جزءا رئيسا من المنهج التربوي عبر أنشطة دورية يشارك فيها الكتاب والأدباء في المدارس ستكون هذه محاولة أخرى لسد فجوة أكبر.
وتزويد المكتبات بالكتب التي تهذب وجدان الطلبة وتحفز خيالهم وتمنحهم الفرصة للاطلاع على جمال الفكر والآداب والفنون.


وإذا تدخلت الوزارة بثقلها لتمويل أعمال سينمائية راقية تعيد للسينما المصرية وهجهها، سيكون ذلك جانبا ثالثا في عملية صعبة وطويلة لاستعادة الذوق وإعادة إحياء الاهتمام بالفنون، الذي من شأنه أن يهذب الوجدان والنفوس، ويلبي بالتأكيد رغبات محمومة ومقموعة لشعب يتعطش للفنون.

لا أظن أننا يمكن أن نواهج الظلام المرعب الذي يحيط بنا ويقتات من الفساد والجهل والتخلف وينشرها باضطراد إلا عبر ثورة ثقافية بالمعنى الحقيقي. ثورة ربما ستحتاج إلى تشريعات وقوانين أخرى لضبط الشارع وضبط أداء القنوات الإعلامية الخاصة وتفعيل مواثيق الشرف الإعلامي، لكنها لا بد أن تبدأ الآن وهنا؛ لأن كل دقيقة تمضي اليوم يتأثر فيها عشرات آلاف من شباب ومراهقين بما يدور حولهم من مظاهر التأثير الإجرامي للإعلام المنحط، الذي يشارك فيه أسماء معروفة للجميع من الإعلاميين، وللفنون الهابطة، التي تصبح جزءا من تكوينهم الثقافي والوجداني، مع الأسف، يتحركون بها بدورهم للشارع ويحولونها لكرة ثلج تتضخم يوما بعد آخر. فهل من منصت؟ أتمنى.

نشرت في "القاهرة" الثلاثاء 29 ديسمبر 2015


Sunday, December 27, 2015

شرف الكاتب

تغريدة

شرف الكاتب

إبراهيم فرغلي





ما هو سر الكتابة الجيدة برأيك؟

أظن أن "الكاتب" يقضي عمره كله تقريبا بحثا عن إجابة هذا السؤال. والإشكال الكبير هنا ليس في كلمتي كتابة أو سر، بل في هذه المرادفة المخاتلة "جيدة". معيار قيمي مرعب، وحمال أوجه أيضا. تخيل مثلا أن قارئا ما يصف كتابة واحد من كتاب العامية الجدد، الذين يتخذون من منطق كلام المصطبة وسيلة للتجديد، ويصنع منها عدة إفيهات مغزولة بلهجة العوام بدعوى أن الكتابة ينبغي أن تكون ذات مسحة شعبية لكي تُقرأ. غالبا سوف يصف القارئ الموجهة له هذه اللغة المبتذلة بالجودة. وهذا مثال ضعيف لأن هذا الكاتب وقارئه، عندي من صنف واحد، لا علاقة لهما لا بالقراءة ولا الكتابة، لكني استعنت به لتوضيح المدى البعيد الذي تتراوح فيه معايير الجودة.

بل إننا سنجد أن مثل هذا التباين في معايير جودة الكتابة قد يوجد حتى بين من يمتلكون معايير نخبوية في الكتابة، ممن يتفقون على اعتبار سلامة اللغة والاختلاق والابتكار، مثلا، من شروط جودة الكتابة، لكنهم سيختلفون، مع ذلك، حول نص واحد واقعي كلاسيكي على سبيل المثال أيضا، فبينما سيراه من يمنحون التخييل أولوية القداسة أنه مارق عن معايير الكتابة الجيدة، لأنه ينقل الواقع، سيرى آخرون في نقله الفني للواقع عوامل جودته، وهذا التباين يعود في أغلب الأحوال لاختلاف الأذواق والبيئة الثقافية والمرجعيات الفنية.

لذلك أعتقد أن ما يصنع جودة كتابة ما، هي درجة حساسية كاتبها لما يقتضيه النص، الذي يقنع القارئ بصدق الكتابة، أي درجة حساسيته لإتقان الكذب إلى حد الصدق. ثم بمدى قدرة الكاتب على تقمص ما يكتب عنه، ومعرفته الدقيقة بقماشة السرد التي ابتدع.
والأهم من هذا كله أن "الأسلوب شرف الكاتب" كما يقول الصديق الكاتب مصطفى ذكري. شرف الكاتب هذه لا تعني الأسلوب الذهني للكاتب فقط، بل تمتد لوعيه بالقماشة التي يعمل عليها وما تقتضيه. وعيه بأن الجمل الطويلة في الكتابة التي تستلهم الخرافي والعجائبي هي نتاج لإيقاع سردي يتناسب مع لغة تخلق شيئا من لاشيئ، ولا بد للكاتب فيها أن يساعد القارئ أن يرى ما يراه بعين الخيال مبتدعا ومختلقا بالكامل. بينما الإسهاب في وصف الواقعي أحيانا قد يكون مملا، وبالتالي يحتاج الكاتب الجيد الحساسية لإدراك أن النص يناسبه هنا جملا مقتضبة قصيرة مكثفة.

الحساسية هي التي تجعل الكاتب أو الكاتبة حين يتناول موضوعا مثل حرية المرأة لا يغفل الجسد في النص. لا يحول النص إلى مجرد تهويمات أفكار الشخصيات عن حريتهم أو حريتهن من دون مثلا أن يصف ما يرتديه كل منهم وبدقة؛ لأن هذا المعيار هنا كاشف جدا ومكمل للفكرة وملمح غير مباشر لوعي الكاتب بما يكتب عنه.

أظن أيضا أن انشغال الكتاب الذين منحهم تاريخ السرد وجمهور القراء أوسمة التقدير لما يكتبون، بالإجابة عن السؤال المطروح عاليه، في كل نص يكتبونه هو ما يحقق جودة الكتابة، ولهذا مثلا يستدعينا كاتب لقراءة كل أعماله بينما قد نكتفي لكاتب آخر مجيد بكتاب واحد أو اثنين، لتوقفه عن طرح السؤال بعد تلقيه أولى الإجابات في نص من نصوصه المبكرة. والله أعلم.




Sunday, December 20, 2015

المجرمــــــــون!


تغريدة
المجرمون

إبراهيم فرغلي




في الوقت الذي يتعرض فيه الكاتب المصري أحمد ناجي للمحاكمة بسبب رواية أصدرها مؤخرا ورأى فيها مواطن "شريف" أن بها ما يخدش حياءه ويهز قلبه الضعيف ويعرضه للخفقان، يتعرض الكاتب أشرف فياض لحكم بالإعدام بعد أن تعرض لموقف شبيه من قبل مواطن سعودي تربص به بعد خلاف على المقهى لكي يوعز لجماعة الأمر بالمعروف أن فياض كتب كتابا يسيئ للذات الإلهية. وفي الأثناء أقامت لجنة الرقابة الخاصة بفحص كتب معرض الكويت للكتاب مجزرة دامية سفحت فيها دماء آلاف الأفكار والإبداعات الروائية والأدبية لدعاوي لا يعلم الله حقيقتها حتى اللحظة.

هذه الأخبار التي نتداولها كواقع تبدو أكثر ما تكون ككابوس مستلهم من عصور محاكم التفتيش، بالإضافة لأنها اعتداء سافر على المبدعين والكتاب وحقهم في التعبير عن أفكارهم، ووأد لفكرة الحوار ومقارعة الأفكار بغيرها. والأدهى من ذلك أنها اعتداء سافر على المواطن، كل مواطن في الحقيقة، حيث يتوهم الرقيب أنه يملك الحق في أن يسمح لي بما أقرأ لأنه يوافق هواه الشخصي ويمنع عني ما لا يتوافق مع هواه الشخصي.

ثم إذا كان البعض يعتبر أن مجتزآت الفكر أو الأدب "جرائم"، فبماذا يمكننا نحن أن نصف ممارسات الرقيب، تحت رعاية المسؤولين عن الثقافة والإعلام في المجتمعات العربية؟، وهي، أيا كان توصيفها، ترقى إلى إساءات لا يمكن أن تسقط بالتقادم لإهانتها للمثقفين والكتاب وأهل الفكر والرأي وللمواطنين جميعا. وإن أردتم الحقيقة فالرقيب الذي يتصور أنه شرطي الأدب والفكر، ويتعالى علينا بمنعه ما يحب واجتراءه على المجتمع بتحويل مبدعيه للسجن أو تعريضهم للقتل، بدلا من محاورة الأفكار، أقول من يدير هذه الاعتداءات على أهل الفكر هو من يمارس الاعتداء على المجتمع ويحرض على القتل ويكدر السلم العام في المجتمع وليس العكس.

وإذا كان السياف الذي يجهر بعصاه الحكومية بالاعتداء على خصوصيات البشر يتذاكى علينا، متظاهرا ومدعيا أنه يمتلك مفتاح الحقيقة، فنذكره بوقائع التاريخ التي أمسكت بكل أشباهه وألقت بهم في الأماكن التي تليق بهم. أما الخفافيش الذين يؤدون وظائف المنع وهتك الفكر وهم مطمئنون لأنهم مجرد خفافيش ظلام لا يعرف بهم ولا يسمع أحد، فهم يخشون حتى من إعلان أنفسهم لأنهم في قرارة ذواتهم يعلمون حقيقة ما يفعلون.  

والأدهى أن هذه الجهات الرقابية لا تستأسد إلا على ما يثير ريبة موظفيها، وفي المقابل فإنهم يمررون كتبا غثة وتافهة وسطحية من دون أن يهتز ضميرهم الذي لا يتوفز إلا لما يتصوره حفظا لتعليمات رؤسائه.

المهم الآن تضافر الجهود الثقافية إزاء هذه الممارسات الإرهابية التي وتوحيد الصفوف في مواجهتها، فلا يمكن لاتحادات الأدباء والكتاب العرب، أن تقف لتشاهد هذه الممارسات والاعتداءات على الكتاب والأدباء، مكتوفة الأيدي، كما أدعو المثقفون العرب أيضا للاتفاق على بعض المواقف الموحدة لمواجهة بطش الرقيب سواء بالامتناع عن المشاركة في المهرجانات الأدبية التي تقام في دول لا تحترم حرية التعبير، أو تتعسف تجاه أصحاب الفكر والأدب أو تستشرس أجهزتها الرقابية على أعمالهم الأدبية والفكرية. أو لنمرح جميعا في هذا الهراء حتى تأتي ثورة فكرية حقيقية تعيد الأمور إلى نصابها. وقد يكون ذلك بعد قوات الأوان.

مقالي في جريدة القاهرة نوفمبر 2015


تجارة بيع الأحلام !


تغريدة

الأحلام والوقائع





إبراهيم فرغلي


عم صباحا يا عم نجيب. ها أنا ذا أكتب إليك في يوم ميلادك المائة، أطال الله عمر ذكراك بيننا، وفتح علينا لكي نعيد التأمل والفهم.

وقد رأيت فيما يرى النائم أن ذكراك المائة حلّت فاحتُفل بها بما يليق. أقيم متحفا أنيقا ضم متعلقاتك، وصورك وأقلامك وأوراقك، وكتبك، وكثيرا من أدوات معمل الكتابة التي أبدعت بها نصوصك التي لا تزال تلهم الأجيال، خصوصا أولئك الذين أفلتوا من مشاهدة الأفلام المقتبسة عنها، ويعرفون قيمة ما تكتب عبر النص دون ادعاء بأنهم يعرفون ذلك من الأفلام!

كما رأيت أن كتبك قد طبعت في طبعات شعبية، وأتيحت في منافذ بيع الكتب والصحف في النجوع والقرى قبل المدن وعواصم الأقاليم. واقيمت في المدارس مسابقات ثقافية حول أعمالك، وأنشأت الجامعات المركزية أقساما متخصصة لدراسة نصوصك، وقامت مسارح الدولة بعرض مسرحياتك على خشباتها، واستلهمت نصوصا من رواياتك تصلح للخشبة فعرضت في عدد من مسارح الدولة. وأقرت وزارة التعليم روايتين من رواياتك في مناهج اللغة العربية في المدارس، كما زُودت مدارس الحكومة بنسخ من أعمالك، ونشرت عددا من النصوص المبسطة من هذه الأعمال.
لكن يا عم نجيب مالي أراك متجهما غير سعيد!

لعلك أدركت ببصيرتك النافذة أنني أسرد لك حلما، بينما روحك التي تطوف حولنا  تعرف الحقيقة. بصراحة أردت أن أقدم إليك ما تصورت أنه قد يمنحك في مثواك قدرا من السعادة والحبور، إذ أن الحقائق، مع شديد الأسف قد تبدو لك، مُرّة ومؤسفة.

لكنك علمتنا أن نقول الحق ونسعى له. ولعلك تشعر ببعض القلق ولك الحق.
فقد جاءت الوقائع مخالفة لكل أحلامي، إذ ثار لغط طويل قبل فترة عن اختفاء أعمالك من مكتبات ناشرك، ورغم أنه لم يرد على ذلك حتى هذه اللحظة فقد بث بعض مخلصينه من مسؤولي المبيعات، صورا لبعض أعمالك في بعض المكتبات، وتنفسنا الصعداء، من دون أن نفهم لماذا اختفت الكتب من الأساس وكيف ظهرت. وهل ظهرت كلها حقا أم لا.

ويبدو أنه ارتأى أن يقدم لنا نحن جمهورك مفاجأة من العيار الثقيل، احتفاء بذكراك، معلنا وقوع ابنتكم الموقرة على مسودات قديمة بخط من يقال أنه الشخص الذي أمليته أحلامك القديمة في فترة النقاهة، وقد عرضها الناشر على من رأى أنهم عالمين ومختصين بنصوصك وأدبك، فاطمأن قلبه لأنها أحلامك صدقا ويقينا،  وقرر أن تكون هذه هديته لنا في عيدك. لكنه في الوقت نفسه لم يتمكن من أن يجيب على تساؤلات ثارت بعد نشر الكتاب عن إحساس البعض ممن قرأوا النصوص بأن بعضها لا ترقى لأن تكون من إبداعك، وبعضها اتخذ ترقيما يثير القلق والشك إما لأنه يتناقض مع الترقيم السابق للأحلام المنشورة بأمرك ومعرفتك، أو لأنها كلها تخلو من توقيعك الذي ميز ما نشر منها في حياتك.
 
يصف الناشر أوراقك بأنها كنز يضيف لتراث السرد العربي، حتى لو لم تكن ممهورة بتوقيعك، ولكونها وجدت بين أوراقك القديمة. أما أنا فلا أجد ما قوله سوى استعادة تحذيرك على لسان الشيخ عبد ربه التائه :"حذار، فإني لم أجد تجارة هي أربح من بيع الأحلام".


والسلام. 

مقالي في القاهرة بمناسبة العيد المائة لميلاد أديب نوبل نجيب محفوظ ديسمبر 2015